جريدة الإتحاد - 5/6/2025 11:50:05 PM - GMT (+4 )

في خطوة تحمل أبعاداً قانونية وسياسية بالغة الأهمية، رفضت محكمة العدل الدولية، الدعوى المقدمة من القوات المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات، في نزاع مفتعل، لكنه أثار جدلاً واسعاً داخل الأوساط الدبلوماسية والإعلامية. وبينما يُنظر على نطاق واسع إلى قرار محكمة العدل الدولية على أنه انتصار قانوني لدولة الإمارات، تطرح هذه القضية تساؤلات جوهرية حول طبيعة العلاقة بين القانون الدولي وتوازنات القوى الإقليمية، ومدى قدرة الدول النامية على فرض روايتها القانونية، أمام مؤسسات العدل العالمية على غرار محكمة العدل الدولية، التي قررت رفض دعوى القوات المسلحة السودانية، لعدم استحقاقاتها ولضعف حيثياتها القانونية، ولافتقارها إلى أوجه المقاضاة، أي لفقر أركانها القانونية وخلوّها مما يثبت أي وقائع حية.. أو باختصار لما يشوبها من عوار قانوني بيّن.
القوات المسلحة السودانية، سبقت دعواها بحملة تشويشات ودعاوى إعلامية رخيصة، لكي تُظهِر نفسَها كطرف مُعتَدَى عليه أو صاحب مظلومية.. لكنها بسقوط دعواها تخسر أمام محكمة العدل الدولية، التي ردت الدعوى وأسقطتها جملة وتفصيلاً وإلى الأبد.
إن هذه السقطة القانونية، وما لها من تبعات سياسية شديدة الوطأة، تستدعي قائمة طويلة من المتطلبات السياسية والقانونية، لسد الفجوات التي أحدثها هذا السقوط المدوي. وبين القانون والسياسة، فإن سقوطاً من ذلك النوع يعني الكثير، بما حمله من انتكاسة قانونية وحسابات سياسية خاطئة. وعلى الرغم من ذلك فالإمارات لا تخلط الأمور ببعضها البعض، لأنها تعمل بواقعية سياسية ووفق نظرة ثاقبة توجهها الحكمة والرويَّة، وهي تأخذ بالدراية قبل الرواية.
وقد جاء قرار محكمة العدل الدولية برفض دعوى القوات المسلحة السودانية، ليعكس بوضوح تام تعقيدات التداخل بين القانون الدولي والسياسة الخارجية. فمن الناحية القانونية، يشير القرار إلى أن الدعوى، إما أنها افتقرت إلى الأساس القانوني الكافي، أو أن المحكمة رأت أن النزاع نفسه مفتعل ولا يندرج ضمن اختصاصها القضائي.. إلا أن البعد السياسي للقرار لا يقل أهمية هو كذلك.
كما أن توقيت القرار، يأتي في لحظة حرجة بالنسبة للقوات المسلحة السودانية، وللسودان الذي يمر بأزمات داخلية معقدة، وسيُنظر إليه بالتأكيد على أنه انتكاسة لمساعيه من أجل حشد الدعم الدولي الذي يحتاجه على مختلف الصعد، ومنها ملفات خلافه مع أطراف إقليمية.
منذ البداية كانت دولة الإمارات على ثقة تامة بصدقية ومتانة دفوعاتها القانونية أمام محكمة العدل الدولية، وقد مثّل قرار المحكمة القاضي برد دعوى القوات المسلحة السودانية وإسقاطها انتصاراً باهراً لدبلوماسية دولة الإمارات، وهو أمر آخر يسهم في تعزيز موقعها كفاعل مؤثر في الساحة الإقليمية والعالمية، كما يُظهر قدرتَها على إدارة النزاعات عبر القنوات القانونية والدبلوماسية بفعالية عالية.الإمارات تُقدم السودان (الوطن والشعب) الشقيق ومصالحه وعلاقتها مع الأشقاء السودانيين على كثير من الاعتبارات الأخرى، ولهذا السبب فقد ظلّت منذ البداية أكثر حرصاً على حفظ الروابط التي تجمع البلدين والشعبين. لقد كانت ولا تزال حريصة على تنمية العلاقات الأخوية وعلى استدامة إرثها القديم وتاريخها الممتد. والباب مفتوح لتطوير علاقة البلدين على عدة صُعِد.
وستواصل الإمارات مساعيها الخيّرة بين الأشقاء، بما يعود بالفائدة لمصلحة الشعب السوداني وتطلعاتها نحو مستقبل أكثر تقدماً وتطوراً وتعاوناً. والإمارات، كما عهدها الجميع، ستواصل دعمها للشعب السوداني ولجهود التوفيق والمصالحة الوطنية بغية رأب الصدع بين الأشقاء مؤكدةً على الدوام أن «الصلح خير».
وما من شك في أن الشعب السوداني حريص هو أيضاً من جانبه على مواصلة التعاون ودعم التقارب بين البلدين الشقيقين، بغية مزيد من التقدم والازدهار.
*سفير سابق
إقرأ المزيد