أيلاف - 7/11/2025 2:41:22 PM - GMT (+4 )

يقال في أمريكا تتحقق الأحلام حتى وإن كانت "مستحيلة"، لكن ماذا لو كان الحلم هو رئاسة البيت الأبيض؟
قبل 2009 لم يكن أحد من سود أمريكا يتوقع أنه ربما يصل أحد منهم إلى المكتب البيضاوي، حتى كسَر باراك أوباما القاعدة ليصبح أول رجل أمريكي أسود من أصل أفريقي يصل لهذا المنصب.
باراك، خرج في خطاب انتصاره يقول: "هذا هو الجواب الذي عبَّرت عنه الصفوف الطويلة أمام المدارس والكنائس… بأن قصتك في أمريكا لم تُكتب بعد، فالحلم ما زال حيًّا".
وهو الحلم الذي عبر عنه قبل سنوات مارتر لوثر كينغ بعبارته الشهيرة: I have a dream "لدي حلم".
فهل يكون هذا هو الحلم الذي يراود أغنى رجل في العالم، إيلون ماسك؟
حزب وليد، وحاجز دستوري عمره قرنان
قبل أيام فقط أعلن الملياردير الكندي الأمريكي عن تأسيس "حزب أمريكا"، في خطوة قال إنها "استجابة لرغبة شعبية كاسحة"
عبَّر عنها متابعوه على منصّة إكس، والالتحاق بالحياة الحزبية بعيداً عن حليفه السابق و"خصمه" اليوم الرئيس دونالد ترامب.
إعلان "حزب أمريكا" أحدث نقاشا سياسياً وقانونياَ في البلاد. ترامب سرعان ما وصف خطوة ماسك بـ "السخيفة"، وقال إنها لا معنى لها ضمن النظام الثنائي المتعارف عليه في الولايات المتحدة.
سياسياً، يرى مراقبون أن الحزب الوليد يهدف إلى استثمار ملايين المتابعين على منصّات ماسك وملء فراغٍ عند المستقلّين الساخطين على الحزبين التقليديَّين.
فهل يستطيع رجل ولد في جنوب أفريقيا، ثم تجنّس أمريكياً أن يتولّى أعلى منصب سياسي في الولايات المتحدة؟ وما حجم التأثير المحتمل للحزب في السياسة الأمريكية المبنية على الثنائية منذ أكثر من قرنين؟.
يقول المحلل السياسي الأمريكي وصاحب موقع "السياسة الأمريكية"، جارد مارتن، لبي بي سي: "لقد طال انتظار حدوث تغيير جوهري في المشهد السياسي الأمريكي. على الرغم من ظهور مرشحين مستقلين ومن أحزاب ثالثة على فترات مختلفة في تاريخ الولايات المتحدة، إلا أنهم نادراً ما تمكنوا من تحقيق فرصة حقيقية في ظل نظام الحزبين الراسخ".
ويرى محدثنا أنه في السنوات الأخيرة، تشهد الولايات المتحدة شخصيات عامة مؤثرة مثل أندرو يانغ مع حزب "فوروارد" والآن إيلون ماسك، تحاول إطلاق حركات سياسية جديدة والخروج عن نطاق القالب الثنائي.
فدونالد ترامب، رغم كونه رسمياً جمهورياً، فقد "خلق فعلياً هوية سياسية مميزة ومستقلة عن أيديولوجية الحزب الجمهوري التقليدية، من خلال حركته اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" يقول المتحدث.
وتعكس هذه التحولات رغبة متزايدة لدى الجمهور في بدائل تتحدى الجمود القائم بين الديمقراطيين والجمهوريين، وفق مارتن.
من جانبه يقول المحلل السياسي والمتابع للشأن الأمريكي طارق الشامي، إن "إيلون ماسك مولع بالأضواء ويسعى لنفوذ سياسي في نفس الوقت، وقد يكون واهماً بشأن شعبيته الحقيقية في العالم الواقعي، لكن إعلانه هذا يحمل رسالة مفادها أنه سيبذل قصارى جهده لإيذاء الترمبية".
ويضيف الشامي أن دور ماسك سيقتصر أساسا على أن يكون الممول والعقل المدبر للحزب الجديد وتوجهاته، "وسيكون بمثابة الأب الروحي للحزب إذا تمكن من النجاح ولو نسبياً".
Independence Day is the perfect time to ask if you want independence from the two-party (some would say uniparty) system!
— Elon Musk (@elonmusk) July 4, 2025
Should we create the America Party?
شرط "المولود طبيعياً"

حتى لو شكل ماسك الحزب وأصبحت له قاعدةً وطنيةً عريضة، فثمّة قيد واحد لا يمكن تجاوزه لا بحزب، ولا بتمويل ضخم، وهو الدستور.
إذ تنصّ الفقرة الخامسة من المادة الثانية للدستور الأمريكي على أنه لا يتولى الرئاسة إلا "مواطن مولود طبيعياً" في أمريكا، وبلغ الخامسة والثلاثين من عمره، وأقام 14 سنة على الأقل داخل البلاد. وبالتالي فإن ماسك الذي تجنّس عام 2002، لا يحقق الشرط الأول.
لكن الرجل يتمتع بشهرة كافية لإشعال النقاش الوطني حول شرط المواطنة بالولادة، بحسب جارد مارتن. ويمكن أن يدفع إلى نقاش أوسع حول ما معنى أن تكون أمريكياً؟، ويضيف أن ماسك يمكن أن يستغل هذا النقاش لمواجهة جهود ترامب في تقييد مبدأ المواطنة في البلاد.
"ومع أن ماسك يمتلك الشهرة، إلا أنني لا أعتقد أنه يحظى بالدعم الكافي لإحداث تقدم فعلي في هذا الملف، سوى لعب دور المعطل لجهود ترامب في تضييق نطاق المواطنة الأمريكية وإضعاف قوة وتأثير المهاجرين" يقول محدثنا.
طريق التعديل الشاقولتعديل الدستور الأمريكي، يجب أن يصوت ثلثا أعضاء مجلسي الكونغرس لمصلحة التعديل، ثم يصدّقه ثلاثة أرباع الولايات (38 ولاية).
أو تدعو ثلثا الولايات إلى مؤتمرٍ دستوري لإعداد التعديل، وهو مسار لم يُستخدم قط من قبل.
وعن إمكانية هذا الخيار، يقول الشامي لبي بي سي إن "تعديل الدستور عملية شاقة جداً وتستغرق سنوات، وفي ظل الاستقطاب السياسي الشديد الذي تشهده أمريكا سيكون ذلك مستحيلاً".
ويضيف أن الأمر يتطلب موافقة ثلثي مجلسي الشيوخ والنواب ثم موافقة ثلاثة أرباع المجالس التشريعية في الولايات الأمريكية، "ومع رفض غالبية الحزبين الرئيسيين له، أتصور أن ذلك سيكون مستحيلاً".
أما مارتن، فيقول: "لقد جلبت فترة ولاية ترامب الثانية جدلاً غير مسبوق للنظامين القانوني والسياسي في أمريكا، لذا تعلمت ألا أقول (مستحيل)، لكني لا أعتقد أن هناك دعماً كافياً لإزالة هذا الحاجز الدستوري كي يتمكن إيلون ماسك من الترشح للرئاسة".
محاولات سابقة
تاريخياً طُرحت فكرة السماح للمواطنين المجنسين بالترشح أكثر من مرة. أشهرها مشروع "فرصة متكافئة للحكم" الذي قدّمه السيناتور أورن هاتش عام 2003، وطالب بالسماح لمن مضى على تجنيسهم 20 عاماَ على الأقل بالترشح لمنصب الرئاسة.
وجاء الاقتراح في ظل الشعبية الكبيرة لحاكم ولاية كاليفورنيا آنذاك أرنولد شوارزنيغر (وهو مهاجر نمساوي الأصل)، مما جعل البعض يطلق على المشروع لقب "تعديل أرنولد".
لكن المشروع لم يتجاوز مرحلة اللجنة في الكونغريس، وسط معارضة شعبية واسعة، إذ أن 28 في المئة فقط من الأمريكيين أبدوا تأييدهم للفكرة مقابل 70 في المئة كانوا ضدها، بحسب استطلاع لغالَوب أجري عام 2003.
أمريكا 2003 ليست هي أمريكا اليومالديناميكية السياسية في الولايات المتحدة اليوم تبدو مختلفة عما كان كان الوضع عليه عام 2003.
إذ هنالك صدام حزبي متفاقم بين الغريمين التقليديين، كما يتزايد الحديث في معسكرَي الجمهوريين والديموقراطيين عن إعادة صياغة قواعد اللعبة الدستورية، خصوصا فيما يتعلق بحدود المحكمة العليا، وإلغاء المجمع الانتخابي.
وهو ما يدفع للاعتقاد بأن إسقاط شرط "المولود طبيعياً في أمريكا" قد يجد أنصاراً جدداً خصوصاً بين المهاجرين.
يقول مارتن إنه "يمكن لأحزاب جديدة أن تضيف التنوع الأيديولوجي اللازم وتجبر على التوصل إلى تسويات تشريعية، بدلاً من الدورة الحالية التي يقوم فيها حزب بإلغاء إنجازات الحزب الآخر".
وسيجبر نظام متعدد الأحزاب المشرعين وقيادة البيت الأبيض على التعاون عبر خطوط حزبية متعددة، مما يجعل عملية الحكم أكثر مرونة وأقل جموداً، وفق محدثنا.
نقطة أخرى تتوفر في ماسك وتعد نقطة قوية حسب كثيرين، وهي شعبية ماسك، الذي يملك 222 مليون متابع على إكس، ورصداً هائلاً في مجال ابتكار السيارات والتركيز على تطوير الصواريخ، ما يجعل احتمال إطلاق حملة وطنية لتعديل الدستور أكثر قابلية، خصوصا مع استغلال أذرعه الإعلامية.
لكنها الشعبية لا تكفي وحدها لتغيير مواقف 38 ولاية، يقول الشامي، " فحتى لو أنفق ماسك مئات الملايين من الدولارات، فسيكون من الصعب عليه توليد الحماس لدى الناس، ناهيك عن السياسيين في الكونغرس ومجالس الولايات التشريعية لتعديل الدستور" .
الخيارات المتاحة أمام ماسك
قانونياً: ما لم تعدل المادة الثانية من الدستور فلن يدخل ماسك البيت الأبيض رئيساً.
سياسياً: تأسيس حزب جديد قد يمنحه منصة ضغط كبيرة داخل الوسط السياسي الأمريكي، لكنه لا يُقصِّر المسافة بينه وبين الرئاسة في ظل وجود المادة الثانية.
نظرياً: إمكانية التعديل قائمة، فقد عدّل الأمريكيون دستورهم 27 مرة، لكن المرجّح أن شرط "المولود طبيعياً" سيظلّ الأصعب في التعديل، لأنه يرتبط بفكرة السيادة القومية والخشية من "ولاءاتٍ مزدوجة".
يقول جارد مارتن في هذه النقطة، إن بلاده لازالت تكافح لتحديد هويتها الوطنية والدور الذي ترغب في لعبه في العالم من حولها، وتشكل النقاشات حول المواطنة بالولادة والهجرة جزءًا من هذا الصراع على الهوية.
"اليوم، أمامنا فرصة لإعادة تعريف معنى الانتماء الأمريكي الحقيقي، ويفضل أن يكون ذلك من خلال رفض النزعات القومية للإدارة الحالية والعودة إلى رؤية أكثر شمولية للمواطنة، قائمة على المساواة في الحقوق والفرص للجميع" يقول مارتن.
إضافة أحزاب سياسية جديدة وقابلة للاستمرار، يمكن أن تعزز شعور الانتماء السياسي. فالكثير من الأمريكيين يحملون آراء معقدة لا تناسب التصنيف الثنائي بين الديمقراطي والجمهوري، وفق المتحدث.
و"وجود أحزاب إضافية سيسمح بديمقراطية صحية أكثر وبتمثيل أفضل، حتى لا يُجبر الأفراد على التنازل عن أفكارهم وقيمهم من أجل المشاركة في النظام" على حد قوله.

يمكن القول، أنه وبالنظر للوضع الراهن، قد يستطيع إيلون ماسك أن يطلق صاروخاً إلى المريخ وهو الذي قال إنه يسعى لـ "استيطانه"، كما تمكن من إطلاق شبكة أقمار ستارلينك حول الأرض، لكن في المنظور القريب لا يبدو أن سرعة صواريخه وأسطول شركة سياراته كاف ليدخله البيت الأبيض رئيساً، والذي لا يمكن أن يتحقق إلا بانفراج دستوري.
ما يعني أن لقب "أول رئيس غير مولود في أمريكا" يبقى أقرب إلى الخيال السياسي منه إلى الواقع، إلى أن يُقنع ماسك 38 ولاية لتغيير سياسة الثنائيةً التي لم تهتز جذورها منذ القرن التاسع عشر.
ولكن المتتبعين للحياة السياسية الأمريكية، والقرارات الأخيرة التي وصفت بـ "المجنونة" لترامب، يقول أكثر المتفائلين منهم: ماذا لو كان ماسك أكثر "جنوناً" من ترامب، ويحقق ما لم يستطع أحد تحقيقه من قبل في بلاد العم سام؟
إقرأ المزيد