جريدة الإتحاد - 11/4/2025 11:09:05 AM - GMT (+4 )
شهدت منطقة غرب جامايكا دماراً يكاد يبلغ أقصى ما يمكن أن تسببه الأعاصير المدارية على كوكبنا. وقبل إعصار ميليسا، كان إعصار «غيلبرت» الأكثر تدميراً الذي ضرب جامايكا، والذي ضرب الجزيرة في سبتمبر 1988. وكان «غيلبرت» إعصاراً من الفئة الرابعة عند وصوله إلى اليابسة، مُخلفاً أضراراً جسيمة جراء الرياح العاتية والعواصف العاتية والفيضانات، مما أدى إلى تشرد عشرات الآلاف، ومقتل 49 شخصاً. في ذلك الوقت، بدأت قضية الاحتباس الحراري تُصبح محط اهتمام باحثي الغلاف الجوي والطقس.
وبعد مرور 40 عاماً، نجد أن معظم الظواهر الطبيعية المذهلة ترتبط، بشكل أو بآخر، بتغير المناخ، حسبما تشير صور الأقمار الصناعية والبيانات المناخية حول الأعاصير والظواهر الجوية المتطرفة. وفي حالة إعصار ميليسا، جاءت المفاجأة على مراحل. بدأت بصور الأقمار الصناعية التي أظهرت عين الإعصار بشكل واضح ودافئ وسط دوامة من العواصف الرعدية الهائلة. وبلغت خوارزمية الأقمار الصناعية التابعة للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، التي تُستخدم لتقدير شدة العواصف المدارية والأعاصير، ذروتها تقريباً، بمستويات لم تُشاهد إلا نادراً في المحيط الهادئ، ولم تُسجل قط في الأطلسي. بحلول الوقت الذي وصل فيه «ميليسا» إلى اليابسة ظهر يوم الثلاثاء الماضي على طول الساحل الجنوبي الغربي لجامايكا، كان أقوى إعصار يصل إلى يابسة المناطق الاستوائية في المحيط الأطلسي منذ عقود.
ويقول خبراء الأعاصير إنه واحد من أشد ثلاثة أعاصير ضربت اليابسة في التاريخ، بل أقوى من إعصار كاترينا. تحتاج الأعاصير العاتية إلى مياه محيطية شديدة الدفء كمصدر للطاقة، لكنها عادة ما تثير مياه محيطية أكثر برودة من الأسفل في عملية تُعرف باسم «التيار الصاعد». وغالباً ما تُصدر الأعاصير القوية بطيئة الحركة مثل ميليسا كميات كبيرة من المياه الباردة بحيث لا تتوافر مياه دافئة كافية للحفاظ على شدتها. غير أن المياه في جنوب جامايكا كانت دافئة بنحو 2.5 درجة فهرنهايت فوق المعدل الطبيعي، مما يعني أن ميليسا استمر في التزايد مع وصوله إلى اليابسة، رغم تحركه ببطء.
وليس من المبالغة القول إن غرب جامايكا شهد ما يُعتبر أسوأ تداعيات الأعاصير المدارية التي يُمكن أن يُسببها كوكبنا. وسيُحدد الوقت والبحث العلمي ما إذا كان تغير المناخ سيزيد بشكل كبير من وتيرة وشدة الأعاصير مثل ميليسا. لكن العلاقة بين الاحتباس الحراري وارتفاع درجات حرارة سطح البحر ثابتة بالفعل. كما نعلم أن الكوارث المناخية تتكرر وتؤثر بشكل أكبر نظراً لتزايد عدد السكان المعرضين للخطر.
ووفقاً لسجلات الاحتياطي الفيدرالي والبنك الدولي، زاد عدد سكان جامايكا بأكثر من 20% في السنوات التي تلت إعصار جيلبرت، ليصل اليوم إلى أكثر من 2.8 مليون نسمة. ولا شك أن تغير المناخ يساهم في وقوع ظواهر جوية أكثر خطورة، ومع ما يُعرف بـ «تأثير عين الثور المتوسع»، أي تزايد عدد البشر المعرضين للخطر، مما يساهم في كوارث هائلة. ورغم أن معرفة حجم الدمار الكامل الذي سببه إعصار ميليسا قد تستغرق أياماً، إلا أنه من المرجح أن المناطق الواقعة في مسار عين الإعصار تعرضت لدمار أشد من أكثر المناطق تضرراً في إعصار غيلبرت. كما تعاني كوبا هي الأخرى من فيضانات وعواصف مدمرة تهدد الحياة، وأضرار ناجمة عن الرياح، بعد أن ضرب ميليسا اليابسة كعاصفة من الفئة الثالثة.
ويعتبر إعصار ميليسا أحدث تحذير من كوكبنا بضرورة تحسين قدراتنا على التنبؤ بتلك الأحداث، وكيفية إعداد الأفراد للتعافي منها. ولأني عملت في الحكومة الفيدرالية لمدة 35 عاماً، أدرك تماماً كيف تراجعت قدراتنا الوطنية في التنبؤ بالكوارث والاستجابة لها خلال الأشهر الأخيرة. وتُشكل المخاطر الطبيعية تهديدات جسيمة ليس لحياة البشر فحسب، بل للاقتصادات الوطنية أيضاً. ويمكن أن يؤدي الاستثمار في قدراتنا على الاستعداد والتنبؤ والتحذير من هذه التهديدات والاستجابة لها إلى إنقاذ الأرواح، وتحسين سبل المعيشة. ويجب أن يُثير إعصار ميليسا لحظة من الصدمة الجماعية تدفع الولايات المتحدة، بل والعالم أجمع، إلى مضاعفة الجهود لحماية البشر، والحفاظ على سلامتهم، والاستعداد للمستقبل.
*خبير أرصاد جوية أميركي لديه خبرة تتجاوز 35 عاماً في مجال التنبؤ والتحذير من الظواهر الجوية، عمل لسنوات طويلة في «هيئة الأرصاد الوطنية الأميركية»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
إقرأ المزيد


