جريدة الإتحاد - 11/28/2025 10:04:37 AM - GMT (+4 )
بين الواحد المتعدّد وبين المتعدّد الواحد، يكمن سرّ دولة الإمارات العربية المتحدة الممتدة جغرافياً وسياسياً وثقافياً بين وحدة في تعدّدها، وتعدّد في وحدته، وهو الإنجاز الأكبر للقادة المؤسسين، وعلى رأسهم مفخرة الإمارات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
كان التعدّد قبل الاتّحاد سيّد الموقف، لكن الإرهاصات الأولى لوحدة متينة تجلّت معالمها في «هيولى» الوحدة التي عمِل عليها القادة المؤسسون للاتّحاد، «إمارات السّاحل المتصالح»، التي كان النّشاط التجاري والتّوافق بين زعماء القبائل الخيط النّاظم لها.
قد تشكلت قبل الاتّحاد الأكبر أحلاف قبلية أولى ظهرت على إثرها إمارة أبوظبي مع آل نهيان. وإمارة دبي مع آل مكتوم. وإمارة عجمان مع النعيمي. وإمارة الشارقة مع القاسمي. وكذا إمارة رأس الخيمة. وإمارة أم القيوين مع المعلا ثم إمارة الفجيرة مع الشرقي. وأصبح لكل إمارة علَمها الخاص انسجاماً مع لون سفنها في عرض البحر، بتشكيل خاص للّونين الأحمر والأبيض. وتطور التعدّدُ بين الإمارات المتصالحة نحو مزيد من الوحدة حين أنشأ حكام الإمارات في أواخر الستينات بدبي «مجلس حكّام الإمارات المتصالحة»، قبل أن تتبلور فكرة الاتّحاد في أوائل السبعينات. وكانت قرية «السّميح» الحدودية شاهدة على انطلاق الشّرارة الطيّبة الأولى لشعلة الاتحاد الذي سينقل المتعدد، بعد محاولات مُضمّخة بالعزم والأمل، إلى الواحد، بإنشاء أوّل دستور إماراتي سينتظم التعدّد في وحدة تتميز بالغنى والتنوّع، فلم يعد التعدّد يُفهم إلا بعودته إلى وحدته الدّستورية القانونية ووحدته الثّقافية الأصيلة.
لاحظ القادة المؤسسون التعدّد في الواقع، فركزّوا على العناصر المشتركة في هذا التعدّد، واستخرجوا منها وحدة ذهنية وقانونية جمعت هذا الواقع في وحدة فريدة في العالم العربي المعاصر، وحدة تقوم على التّكامل والانسجام، وترفُدُها المحبّة والتّقدير. ظهرت الإمارات العربية المتحدة باعتبارها وحدة منتظمة من تفاعل الكثرة، فمن تفاعل العناصر المتنوعة تظهر هذه الوحدة وتتجدّد باستمرار بما تكتنفه من خصائص فريدة لا توجد إلا في الكلّ، وهو أمر لافت للنّظر، فكأننا أمام سرب من طيور وحْدتُه في حركته المنسجمة والمتسقة، أو أمام فرقة موسيقية متعدّدة الآلات، منسجمةُ الأنغام والإيقاعات.
تَشكَّلَ الواحدُ في الإمارات العربية المتّحدة عندما توافقوا على تسمية هوية واحدة لأشياء متعدّدة، فصنع الشيخ زايد، رحمه الله، مجتمعاً واقعياً كبيراً احتوى التعدّد، فكانت وحدةً سياسيةً متناغمةً، ووحدةً ثقافيةً منسجمةً، وقد نجح، رحمة الله عليه، في بناء اجتماعي واقعي فَوْق تعدُّدي، إنْ جاز التعبير. لقد وضع الشيخ زايد مقصداً واضحاً وغاية جليّة أمام عينيه، وهي خير الجميع ومصلحة الكلّ، وجعلها الغايات المرجوة أمام أنظار الجميع، والمقصد المأمول في قلوبهم، وهذا ما عزّز الوحدة وجعلها ركناً ركيناً في بناء الإمارات الأصيل.
ومع مُضيّ السّنين، والتّطور الكبير الذي تعرفه الإمارات العربية المتحدة، والذي جعلها واحدة من أقوى الدّول تأثيراً محلياً وعالمياً، تتألّق الوحدة بنيل المقاصد وإدراك الغايات المنشودة. كان التّعدّد في الإمارات المتصالحة إرهاصاً قوياً على وحدة مأمولة، تجاوزها إلى تنوع بشري كبير متناغم وموّحد، لتصبح الوحدة المتعّددة التّجلي الأكبر لحكمة القادة المؤسسين، وعلى رأسهم، حكيم الإمارات والعرب، الشّيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمة الله عليه، فهنيئاً للإمارات بعيد الاتحاد، رمز الإنجاز الكبير للحكمة الخالدة.
*مدير مركز الدراسات الفلسفية بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية
إقرأ المزيد


