أيلاف - 12/1/2025 3:25:11 PM - GMT (+4 )
مع زيارة البابا لاوُن الرابع عشر إلى بيروت، يتركز الاهتمام على المزارات الدينية الثلاث التي ستشكّل محطات زيارته الرسمية: مزار سيدة لبنان في حريصا، دير مار مارون في عنايا حيث يرقد القديس شربل، ودير الصليب في جل الديب حيث ضريح الطوباوي الأب يعقوب.
هذه المواقع ليست مجرد وجهات دينية، بل جزء من شبكة روحية واجتماعية واقتصادية ممتدة في لبنان، وتعبر عن طرق مختلفة للقداسة في بلد متعدد الطوائف والهويات الدينية.
تقول الباحثة في السياحة الدينية نور الفرا حداد لبي بي سي عربي إن المزارات الثلاث التي تشملها زيارة البابا، "تملك صيتاً عجائبياً واضحاً، وهي مقصودة من المؤمنين لأنها أماكن يشعر فيها الناس بأن طلباتهم تُستجاب".
وتضيف أن هذه المزارات "لا تستقبل المسيحيين وحدهم، بل يزورها أيضاً عدد كبير من المسلمين، خصوصاً في حريصا وعنايا، حيث تعد مريم والقديس شربل شخصيتين قريبتين إلى الوجدان الشعبي".
- العشاء الأخير: حكاية لوحة ليوناردو دافنشي "الملعونة"
- لماذا يزور البابا لاون هذه البلدة التركية الصغيرة؟
يقع مزار سيدة لبنان في حريصا فوق خليج جونية، ويعد واحداً من أشهر المواقع الدينية في الشرق. تأسس المزار عام 1904، ووضع تمثال العذراء عليه عام 1908 تحت رعاية جمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة.
يتميز المكان بكونه موقعاً يجمع بين الصلاة والسياحة. فالمشهد المطل على البحر يجذب العائلات والسياح، بينما يقصده المؤمنون لتقديم النذور وطلب الشفاعة. وتوضح حداد أن "حريصا مزار يجمع المسلمين والمسيحيين، لأن مريم شخصية مشتركة في الوعي الديني للناس".
لا تفرض رسوم دخول إلى المزار، وتعتمد إدارته على التبرعات الطوعية التي يضعها الزوار في صناديق مخصصة، إلى جانب متجر التذكارات.
أما الحركة الاقتصادية الأكبر فتتوزّع على محيط الموقع: المطاعم، والتلفريك، والبيوت ضيافة، والمحال الصغيرة تستفيد من حركة الزوار اليومية.
عنايا: ضريح القديس شربل
على مسافة ساعة من بيروت، يقع دير مار مارون في عنايا على ارتفاع يفوق ألف ومئتي متر، وفيه عاش القديس شربل ناسكاً ودفن بعد وفاته عام 1898. المكان تحوّل منذ عقود إلى مركز حج يستقطب مؤمنين من الطوائف كافة، إذ تنسب إلى القديس شربل شهادات شفاء كثيرة حول العالم.
وتوضح حداد أن هذا الموقع "يسجّل أعلى نسبة زيارات دينية في لبنان بعد حريصا"، مشيرة إلى أن "الناس تقصده لطلب الشفاء أو للشكر بعد تحقق نذر".
لكن الحدث الأكثر ارتباطاً بعنايا هو المسيرة الشهرية في 22 من كل شهر. ويعود هذا التقليد إلى قصة شفاء السيدة اللبنانية نهاد الشامي في 22 يناير/كانون الثاني 1993، والتي كانت تعاني من شلل نصفي، روت أنها استيقظت بعد ليلة من الصلاة وعليها آثار جرحين في عنقها وقد استعادت قدرتها على الحركة.
منذ ذلك اليوم، نذرت نهاد أن تزور ضريح القديس في اليوم نفسه من كل شهر، وسرعان ما انضم إليها آخرون، ثم تحوّلت الزيارة إلى مسيرة يحضرها كثر شهرياً.
تقول نور الفرا حداد في مقابلتها مع بي بي سي عربي: "يوم 22 لم يعد يوماً عادياً في عنايا. يحمل الناس الشموع والصور وتقاريرهم الطبية، ويمشون المسار بين المحبسة والدير وكأنهم يعيدون رواية حكايتهم الخاصة مع القديس".
وعلى الرغم من هذا الإقبال، لا توجد إحصاءات رسمية دقيقة لعدد الزوار. تؤكّد حداد أن "كل الأرقام تقديرية لأن لا جهة رسمية تتولى العد، لكن حجم الحركة (كبير) وواضح من المشهد اليومي".
اقتصادياً، أدى هذا الازدهار الروحي إلى تنشيط القرى المحيطة عبر محلات التذكارات، والمطاعم الصغيرة، وبيوت الضيافة، إلى جانب المنتجات الزراعية التي ينتجها الدير.
أما الشموع والبخور والذخائر التي يأخذها الزوار من الضريح، فتقدم مجاناً، ومن يرغب يضع تبرعه في صندوق مخصص للتبرعات.
دير الصليب وخدمة الفقراء
في جل الديب، شمال بيروت، يقع دير الصليب حيث يرقد الطوباوي الأب يعقوب، الراهب الكبوشي الذي كرّس حياته في مطلع القرن العشرين لخدمة الفقراء والمرضى وتعليم الأطفال.
أسّس "أبونا يعقوب" كما يشار إليه في المجتمع اللبناني جمعية راهبات الصليب، وأنشأ مستشفى دير الصليب، الذي يعد اليوم أحد أكبر مستشفيات الطب النفسي في لبنان.
بخلاف المزارات العجائبية التي يشتهر بها لبنان، يرتبط هذا الموقع بـ"قداسة الخدمة"، كما تصفها حداد: "إذا كان مار شربل رمزاً للعجائب، وأيقونة للصلاة العميقة، فإنّ أبونا يعقوب يمثل الوجه الاجتماعي للقداسة؛ قداسة مبنية على الرعاية والمسؤولية".
يضم الدير كنيسة سيدة البحر حيث يقع ضريح الطوباوي، ومتحفاً صغيراً يروي سيرة حياته. وتبقى الحركة الاقتصادية المحيطة بالدير محدودة مقارنة بحريصا وعنايا، لكنها موجودة من خلال مطاعم ومحال صغيرة في محيط الموقع. أما الزيارات الروحية فتبقى مفتوحة بلا رسوم، وتعتمد الرهبنة على التبرعات لدعم رسالتها.
سياحة دينية بلا إحصاءت
رغم أهمية المزارات الثلاث، لا توجد أرقام رسمية حول عدد الزوار أو حجم الإنفاق المرتبط بالسياحة الدينية في لبنان.
وتوضح حداد أنّ "كل الأرقام المتداولة تقديرات، لأنها تعتمد على كثافة الحضور في الأعياد أو عدد من يتناولون القربان في القداديس، وليس على إحصاءات دقيقة".
مع ذلك، تعتبر أن تأثير هذا النوع من السياحة واضح ومباشر: "السياحة الدينية في لبنان لا تتوقف، لا في الأزمات الاقتصادية ولا في الحروب. الناس تبحث عن طاقة روحية تستند إليها، وهذه الزيارات تحرك الاقتصاد المحلي بطريقة قد لا تظهر في الأرقام لكنها ملموسة في المجتمعات المحيطة".
- ما السر وراء إقبال الشباب الأمريكي على الكنائس الروسية؟
- هل تصبح الجزائر "محجاً" للمسيحيين الكاثوليك في العالم؟
- كم تبلغ ثروة الكنيسة الكاثوليكية ومن أين تأتي؟
إقرأ المزيد


