جريدة الإتحاد - 12/4/2025 11:46:58 PM - GMT (+4 )
خلال الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب، تحدث معارضوه عن شعبوية في خطابه، وقالوا إنه يحملَ رسائل تُشيطن الأقليات والمهاجرين ضمنياً، بل تسيء إلى بعض البلدان أيضاً. كما أدخل الرئيس، وفقاً لمعارضيه، إلى التيار السائد أسلوباً من الخطاب المليء بالاحتقار لم يسبق للحياة السياسية الأميركية أن عرفته.
وفي الولاية الرئاسية الثانية لترامب، وبينما تكثّف إدارتُه حملةً شاملةً للترحيل الجماعي، يصوّر الرئيسُ وحلفاؤه بانتظام بعضَ فئات المهاجرين على أنهم ينتمون إلى ثقافات غير متوافقة مع الولايات المتحدة. وفي عالم مليء بطالبي اللجوء، تعطي إدارته الأولويةَ لإعادة توطين اللاجئين البيض من الأفريكانيين من جنوب أفريقيا، بينما تمنع لاجئين آخرين. كما كانت أكثر وضوحاً في رغبتها ليس فقط في طرد مَن يعيشون في البلاد بشكل غير قانوني، بل أيضاً في تقييد المسارات القانونية للدخول إلى الولايات المتحدة.
وجاء أحدث مؤشر على مواقف ترامب في أعقاب إطلاق النار على فردين من الحرس الوطني بالقرب من البيت الأبيض، الأسبوع الماضي. فالهجوم، الذي أدى إلى مقتل أحد الضحايا على الأقل، يقال إن مرتكبه هو «رحمن الله لكنوال»، وهو مواطن أفغاني كان قد عمل إلى جانب القوات الأميركية في بلده وجاء إلى الولايات المتحدة بعد انهيار الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في كابول.
وأظهر تقرير في «واشنطن بوست» أن «لكنوال» كان عضواً في «وحدات صفر» المدعومة من وكالة الاستخبارات المركزية، والتي كانت تنفذ عمليات مداهمة لمكافحة الإرهاب في مناطق مختلفة من أفغانستان، أحياناً وسط اتهامات بإساءة معاملة المدنيين. وقد جلبت سلسلة الحروب الأميركية الطويلة في الخارج، وما رافقها من صدمات ومآسٍ، المشتبهَ به إلى الولايات المتحدة، لكن ترامب استغل الحادث كدليل على «الخلل الاجتماعي» الذي يسببه المهاجرون عموماً، وعلى ضرورة «وقف الهجرة بشكل دائم» من البلدان الفقيرة. وقد أوقفت السلطات الأميركية معالجةَ جميع طلبات اللجوء وعلّقت إصدار التأشيرات للمواطنين الأفغان في الوقت الحالي.ثم استخدم ترامب تعبيراً لافتاً: «الهجرة العكسية وحدها كفيلة بحل هذا الوضع تماماً»، كما ورد في تهنئة عيد الشكر التي نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي. وظهر هذا التعبيرُ نفسُه في مكان آخر، إذ أعلن حساب وزارة الأمن الداخلي على منصة إكس «أن المخاطر لم تكن أعلى من هذا من قبل، والهدف لم يكن أوضح من الآن: إعادة الهجرة الآن».
وأطلقت وزارة الأمن الداخلي في وقت سابق دعوات لإعادة الهجرة، كما عرض البيت الأبيض فكرةَ إنشاء مكتب لـ«إعادة الهجرة» في وزارة الخارجية، بينما كان يفكّك برامج قائمة لمساعدة اللاجئين. والإيحاء هنا ليس أن المهاجرين غير الشرعيين فقط يجب ترحيلهم، بل إن المجتمع الأميركي لا يمكن إنقاذه إلا برحيل بعض المهاجرين، سواء أكانوا شرعيين أم غير شرعيين. وقد استُخدم مصطلح «إعادة الهجرة» من قبل ترامب وحلفاؤه منذ إطلاق حملته الانتخابية الناجحة في عام 2024. وذلك المصطلح ليس محايداً. ربما وصل إلى دائرة ترامب عبر سياسات أحزاب اليمين المتشدد الصاعدة في ألمانيا والنمسا، حيث شن السياسيون والنشطاء حملات هجومية للدعوة إلى ترحيل طالبي اللجوء وتشجيع هجرة المجتمعات غير الأوروبية. وفي بعض الحالات، وزّع حزب «البديل من أجل ألمانيا»، وهو ثاني أكبر حزب في البرلمان الألماني، تذاكر طيران رمزية باتجاه واحد، مروّجاً لطموحاته في عمليات الترحيل الجماعي.
ويُثير النقاشُ الدائرُ حول «إعادة الهجرة» في ألمانيا جدلاً حاداً، لا سيما بسبب إرث الهولوكوست وعمليات الترحيل الجماعي التي شهدها العهد النازي. ويتجذر هذا المفهوم بين أعضاء الحركة الفرنسية لـ«الهوية الجديدة»، وهو قريب من نظرية «الاستبدال الكبير»، وهي خرافة مؤامراتية أصبحت من النقاط المألوفة في أجندة اليمين، وتزعم أن السكان البيض في المجتمعات الغربية يجري «استبدالهم» عبر هجرة غير البيض بدعم من الليبراليين في المؤسسة السياسية!
في جميع أنحاء الغرب، جعلت الأحزاب السياسية اليمينية الصاعدة «إعادة الهجرة» ركيزةً أساسيةً في برامجها. وتعهّد حزب «الإصلاح في المملكة المتحدة» البريطاني بترحيل مئات الآلاف من المهاجرين وطالبي اللجوء. وأعلن حزب «فوكس» اليميني المتطرف في إسبانيا عن برنامجه الخاص لترحيل الوافدين الجدد والمواطنين الإسبان المُجنسين الذين لا يلتزمون بمعايير الاندماج. وصرح متحدث باسم «فوكس» للصحفيين هذا العام: «من حقنا البقاء كشعب».
وفي كثير من الحالات، لا يستند هذا الشعور بالخطر الوجودي إلى بيانات ديموغرافية أو تقارير جنائية أو أي دليل ملموس آخر. وفي أعقاب الهجوم على أفراد الحرس الوطني، الأسبوع الماضي، دعا الناشطون الإدارةَ الأميركيةَ إلى عدم شيطنة مجموعة كاملة بسبب أفعال رجل واحد مضطرب. وقال تحالف الجاليات الأفغانية في الولايات المتحدة في بيان: «نحثّ الجمهور الأميركي على عدم الحكم على آلاف الأفغان الأبرياء استناداً إلى فعل شخص واحد». لكن هذا بالضبط ما يفعله الخطاب الحالي حول «إعادة الهجرة». إذ يعتقد اليمين المتشدد أنه في «أي ولاية ذات أغلبية سكانية بيضاء ترغب في الحفاظ عليها - أو استعادتها - يجب التخلص من الملونين»، كما قالت «سينثيا ميلر-إدريس»، وهي عالمة اجتماع وباحثة في حركات التطرف في الجامعة الأميركية، لشبكة «سي إن إن» الشهر الماضي. وأضافت: «يمكنك فعل ذلك إما بالعنف.. أو عن طريق إعادة تهجيرهم».
*كاتب متخصص في الشؤون الخارجية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»
إقرأ المزيد


