جريدة الإتحاد - 12/4/2025 11:47:10 PM - GMT (+4 )
في سياق التغيرات الجيو- اقتصادية المتسارعة التي تشهدها الساحة الدولية، تمثل الدبلوماسية الاقتصادية لدولة الإمارات نموذجاً متقدماً في توظيف الشراكات الدولية لخدمة الاقتصاد الوطني وتعزيز الحضور العالمي. ويأتي تنظيم المنتدى الإماراتي- الروسي الأول للأعمال في دبي في 10 ديسمبر الجاري، ليجسد توجهاً استراتيجياً نحو توطيد العلاقات الثنائية، وتعميق مسارات التعاون المشترك، في إطار رؤية شاملة تستشرف آفاقاً جديدة للتكامل الاقتصادي والتقني.
يأتي انعقاد المنتدى متزامناً مع الاجتماع الثاني عشر للجنة الحكومية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والتقني، الأمر الذي يضفي عليه طابعاً مؤسسياً يعكس الانتقال من مجرد التفاعل الاقتصادي إلى بناء بنى تعاون أكثر رسوخاً. ويستند هذا التطور إلى الزخم الذي شهدته العلاقات الإماراتية- الروسية خلال السنوات الأخيرة، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري غير النفطي ليصل إلى نحو 11.5 مليار دولار عام 2024، وبنمو استثنائي يزيد على 75% خلال النصف الأول من 2025، على نحو يشير إلى تشكّل قاعدة اقتصادية متنوعة تستند إلى ثقة متبادلة واعتراف بقدرة الطرفين على تحقيق المصالح الاستراتيجية المشتركة.
وتتجلى أهمية المنتدى في كونه لا يقتصر على مناقشة الفرص القائمة، بل يفتح مسارات جديدة للشراكة في القطاعات التكنولوجية والابتكارية، لاسيما مع إطلاق أول برنامج تسريع للمشاريع الروسية الناشئة في الإمارات. ويعكس هذا التوجه تبني دولة الإمارات لاستراتيجية تحول اقتصادي قائمة على دعم التكنولوجيا المتقدمة، وجذب الشركات ذات القدرة على الإسهام في بناء منظومات ابتكار إقليمية وعالمية. كما يعزز المنتدى حواراً معمّقاً حول الخدمات اللوجستية وممرات التجارة الثنائية، وهي قضايا باتت تشكل محوراً رئيساً في إعادة تشكيل سلاسل الإمداد العالمية.
ويحظى المنتدى بدعم من وزارة الصناعة والتجارة الروسية، وهو ما يشير إلى إدراك روسي متزايد لأهمية دولة الإمارات منصة اقتصادية وسياسية ذات ثقل على المستويين الدولي والإقليمي. وقد أكد وزير الصناعة والتجارة الروسي أنطون عليخانوف أن الإمارات باتت أحد أبرز الشركاء الاستراتيجيين لروسيا في الشرق الأوسط، وأن السنوات الأخيرة شهدت تبلور فرص هائلة لتوسيع التعاون الاقتصادي، خصوصاً في قطاعات الخدمات اللوجستية والتجارة وتقنيات المعلومات.
ويكتسب هذا التوجه زخماً هائلاً بعد الزيارة الرسمية التي أجراها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى روسيا في أغسطس الماضي، والتي مثّلت تحولاً نوعياً في العلاقات عبر توقيع اتفاقيات رفيعة المستوى أبرزها اتفاقية تجارة الخدمات والاستثمار، إضافة إلى مذكرة تفاهم في مجال النقل البري. وتُعد هذه الاتفاقيات جزءاً من رؤية أوسع تتبنى الانتقال من الروابط التبادلية التقليدية إلى شراكات تكاملية تُنتج قيمة مضافة في مجالات التكنولوجيا المالية واللوجستيات.
ولا يمكن فصل هذه الديناميات عن الإطار الجيو- سياسي الأوسع، حيث تسعى الإمارات إلى بناء شبكة شراكات دولية مرنة تتجاوز الاستقطاب بين القوى العالمية الكبرى.
وتأتي علاقتها مع روسيا جزءاً من استراتيجية تنويع الشراكات، القائمة على مبدأ المرونة الاستراتيجية والانفتاح على توازنات دولية جديدة. وقد رسخت هذه الرؤية مكانة الإمارات فاعلاً دولياً يتمتع بقدرة على الجمع بين النفوذ الاقتصادي والاستقرار السياسي، ما جعلها وجهة رئيسة لأكثر من 4000 شركة روسية، و650 علامة تجارية، إضافة إلى كونها أكبر المستثمرين العرب في روسيا بنسبة تتجاوز 80% من الاستثمارات العربية.
وفي إطار هذه المعطيات، يشكل المنتدى الإماراتي- الروسي منصة استراتيجية لاستكشاف فرص جديدة في كل من الاستثمار والتجارة والابتكار، إضافة إلى تطوير بنية لوجستية مشتركة قادرة على دعم التدفقات التجارية. كما يسعى المنتدى إلى بناء حوار مؤسسي مستدام يمكّن الدولتين من صياغة مسارات عملية للتعاون، في ظل بيئة دولية تتطلب مرونة عالية وقدرة على التكيف.
إن أهمية المنتدى لا تقتصر على آثاره المباشرة، بل تنبع من كونه يعكس مرحلة جديدة في العلاقات الإماراتية- الروسية، تقوم على تجاوز التعاون التقليدي إلى بناء شراكة متعددة الأبعاد تستند إلى التكنولوجيا، والاستثمار، واللوجستيات، ومن خلال هذا المنظور، يتحول المنتدى إلى رافعة استراتيجية تمنح الطرفين قدرة أكبر على التأثير في الاقتصاد العالمي، وتعزز مكانة الإمارات بوصفها محوراً لصياغة مستقبل جديد للعلاقات الاقتصادية في النظام الدولي.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
إقرأ المزيد


