جريدة الإتحاد - 12/5/2025 1:04:36 AM - GMT (+4 )
نقرأ ونشاهد ونتأمل التاريخ، وندرك أن زايد الخير أعطى حياتنا لوناً يشبه الصحراء في وسامتها، ويوازي الجبال في شموخها، ويستقطب النخلة وهي تكتب حروفها على وجدان عشاق الحياة، ويمنح البحر رائحة الدُّر النفيس، ويجلب النجمة كي تجاور عيون العذارى وهن يتابعن ما حدث خلال الأربعة والخمسين عاماً، من تغيُّر في الوجه واللسان، وفي السمع والبصر، وفي الذائقة، وفي الشعور، كل ذلك يزجي لنا السحابة كي تمطر إحساسنا، بما جادت به قريحة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وما فكر فيه، وما حلم، وتخيل، وتأمل، وكل ذلك أصبح اليوم واقعاً تراه الأعين وتلمسه الآذان، وتعيشه القلوب، وتمارسه العقول. متحف زايد الوطني، هو خلاصة قصيدة ملحمية، سيد أبياتها زايد الخير، وأسماها الإمارات العربية المتحدة، سكنت منذ أربعة وخمسين عاماً القلوب، كما بسطت سجادتها على الأرض وافترشت الطموحات، نمارق بُثّت في وجدان الناس، كنّا هي القصائد، تبث في الوعي حب الحياة، ونمط التعايش بين الإنسان والإنسان.
ومن شاهد أو قرأ أو سمع عن متحف زايد الوطني، لا بد وأنه قرأ التفاصيل في القصيدة، والشاعر الملهم، يتحدث عن الجمال، وعن حكاية بناء الملاحم التاريخية، وقصة الإنسان وهو يتهجى في راوية التاريخ ما جاء على لسان الطير، وما لهجت به النخلة، وما جاءت به الغافة، وما تعلّقت به السدرة من أجنحة، كانت تفوح برائحة الوجد الوجودي، وكل ما أحبه الإنسان من حبات رمل تعلقت بثوب عاشق نام ذات عرفانية على ربوة، رملها من ذهب التاريخ، وأعشابها من نبت وجدان إنسان مرّ من هنا، من جادة معشوشبة بحب الإنسان للأرض، وولعه بلون الأخضر اليانع، وكحل يروي الرموش بسواد كأنه الليل، بل كأنه العنبر في صحن مرمر.
متحف زايد الوطني، هو مرآة وطن، وهو لوحة فنية أبدعها تاريخ زعيم، آمن بأن التاريخ دفتر، نحن الذين نضع ثمرات قلوبنا على صفحاته، نحن الذين نلوّن حروفه بأنفاس صباحية رائقة مزدهرة بالأشواق، إلى من ترك في قلوبنا صورة خالدة، يغيب جسداً، وتبقى روحه جناح وعينا بأهمية الحياة، وضرورة أن نكون عشاقاً كي تستمر الأرض في نموها، وازدهار أشجارها، وعمار بنيتها، وثراء قيثارة غنائها الشجي. متحف زايد الوطني، أيقونة وطن، وترنيمة ذاكرة، وأغنية الطير في السماوات العلا، متحف زايد الوطني، مسافة ما بين التاريخ والجغرافيا، أقرب من الرمش إلى الرمش، أقرب من الواقع إلى القلب، وهو العلاقة الجدلية ما بين إنسان يحب، وآخر يكتب الرواية من ألفها إلى يائها، وكي تستمر الحكاية، لا بد من مشاعر تشبه الكلمات، ولا بد من كلمات تشبه الموجة، تعانق المحارات بحميمية بالغة العشق، وعاطفة كأنها أسنان المشط، لا تخل، ولا تزل، بل تملي على الأحباب كيف يكون الحب محفوظاً في ضمير العشاق، وكما تحفظ الأشجار ثمراتها، تحمي البحار دررها.
إقرأ المزيد


