أين شمعة الأمل؟
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

إن منابع الأمل تكمن في طبيعة الكائن البشري وتميزه عن كائنات الطبيعة الأخرى، فتشت في زوايا البيت الظاهرة والخفية بحثاً عن شمعة الأمل فلم أجدها، وفتشت في خزائن الذكريات فلم أجد سوى الأسى الذي أطفأ الشمعة وتساءلت: إذن من أين ينبع سحر الأمل في حياة الإنسان، ويحيل الذبول إلى نضارة واليباس إلى اخضرار، ويشع ليضيء كون الروح ومحيط الوجود ويجعل من هذا الكائن البشري الحائر في اليأس إنساناً خارق القدرة، مفعماً بروح الإبداع وابتكار المدهش والمثير؟ إن منابع الأمل تكمن في طبيعة الكائن البشري، وتميزه عن كائنات الطبيعة الأخرى، هذا التميز جعله يرتقي من حالة فطرية إلى واقع متغير، فيه يكتشف قوانين الطبيعة وأسرارها الخفية، وهذا الاكتشاف جعل لوجوده قيمة أعلى من مجرد قانون بيولوجي شأن الكائنات الأخرى التي ينحصر ذكاؤها في فطرتها الأولى. 
كائنات الطبيعة غير البشرية لا تعرف من الأمل إلا جانب الفطرة للدفاع عن الحياة بشرطها البيولوجي. أما الحياة بمفهومها البشري فتتسع إلى ما لانهاية، لتشمل مفاهيم لا حصر لها أبدعها الإنسان ليجعل وجوده فريداً في نوعه، وليسود كل أشكال الحياة على هذا الكوكب.
إن منبع هذه القدرة يكمن في ذلك الإحساس الغامر بالفرح والسعادة، إنه نور الأمل الذي يشع من ثنايا الروح البشرية ويضيء عتمات التاريخ. وبهذا النور ارتقى الإنسان، وتطور، وأبدع كل الحضارات عبر العصور. إذا كان في طبيعة كل إنسان يكمن يأس ما واستعداد لتقبل اليأس بل والاستسلام له، فإن الأمل هو الوعي بالحياة في حركتها المستمرة، وهو الوعي بالزمن ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، وهذا الوعي هو سبب بحثه عن سبل التغيير وابتكارها. ومن دون هذا الوعي يقف الإنسان في السكون، وفي اليأس، أي نقيض الوعي بالزمن وبالحياة معاً. مرت البشرية في مسيرة تطورها بكوارث طبيعية لا حصر لها، لكنها لا تقاس بالكوارث التي ابتكر البشر أسبابها، التي بلغت أوجها في العصور الحديثة.
وكما ابتكر الإنسان وسائل الدمار، ابتكر وسائل التطور لاختيار البقاء ضد الموت، والبناء ضد الهدم. فالأمل هو الوعي بالحياة والحرية، وأرقى درجات الشجاعة. في حالات الجفاف لا نستطيع أن نعتصر السحاب ونأمر المطر، لكننا نستطيع أن نحفر الصخر بحثاً عن الينبوع. وننثر البذار لنخصب الصحارى. في حالات الموت قد نعجز عن رده بوسائلنا القاصرة، لكننا نستطيع أن نخلق أسباب الحياة ونستعين بالولادة. في حالات الفقر قد نعجز عن كسر أسبابه لكننا نستطيع أن نرفع شمعة الأمل!



إقرأ المزيد