جريدة الإتحاد - 12/15/2025 12:34:37 AM - GMT (+4 )
تبنّى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، منذ وصوله إلى الرئاسة الأميركية، سياساتٍ مختلفةً عن الإدارات السابقة، بما فيها الإدارات «الجمهورية». وفي وثيقة «استراتيجية الأمن القومي 2025»، رسمت الإدارة الأميركية رؤية واشنطن للعالم خلال المرحلة المقبلة بإعادة تعريف للسياسات الأميركية، والتركيز على المصالح الحيوية في العالم، والاهتمام بمناطق على نحو لم يعتَده البيت الأبيض في العقود الماضية.إن الوثيقة تطرح مقاربة لتعزيز القوة الاقتصادية، والحد من الانخراط الأميركي في نزاعات لا طائل منها، وتركز على حماية الحدود والأمن الداخلي والحد من الهجرة، وإعادة تنظيم العلاقة بمنطقة نصف الكرة الغربي، وتعزيز الأمن الاقتصادي، وإعادة بناء الصناعة وقوة الولايات المتحدة العسكرية، في رؤية أكثر تركيزاً على الداخل في إطار سياسة «أميركا أولاً»، مع السعي إلى دعم السلام والاستقرار في العالم.
وباعتبار أن القوة تُعدّ الوسيلة الأنجع لتحقيق الردع، فإنها تمثّل أيضاً أداةً أساسية لإرساء السلام، إذ إن الأطراف التي تُدرك قيمة القوة وتُجلّها تكون أكثر استعداداً للاستجابة لمساعي تسوية النزاعات وصون الاستقرار.
وانطلاقاً من ذلك، ستواصل الولايات المتحدة الحفاظ على قوّتها الاقتصادية والعسكرية وتعزيزها، مع الحرص على امتلاك الجيش الأكثر كفاءة على مستوى العالم. ومن خلال هذه القوة، يصبح من الممكن احتواء الخلافات الدولية وتسويتها قبل أن تتطور إلى صراعات أو حروب عالمية.
وفي هذا الإطار، تستند الدبلوماسية الأميركية إلى مزيج من التفوق العسكري والنفوذ الاقتصادي لاحتواء بؤر التوتر بين الدول النووية، والحد من الحروب العنيفة التي تغذّيها تراكمات تاريخية طويلة من العداء. لقد انتهى زمن تحمّل الولايات المتحدة عبء النظام العالمي، وعلى الشركاء من الدول الغنية والمتقدّمة تحمّل المسؤولية بدرجة أكبر. وحتى تضمَن الولايات المتحدة أن يبقى النصف الغربي من الكرة الأرضية مستقراً، على أوروبا التعاون ضد الهجرة والإرهاب المرتبط بتجارة المخدرات، وسائر المنظمات الإجرامية العابرة للحدود، وقد حان انتهاء عصر الهجرة الواسعة النطاق. وتعتبر الوثيقة تجربة الغرب خلال العقود الأخيرة دالة على أن الهجرة الجماعية تضع الضغوط على الموارد الوطنية، وتُضعف التماسك الاجتماعي، فضلاً عن الجوانب الأمنية والاقتصادية. وستعمل الولايات المتحدة على إعادة تأكيد وتفعيل مبدأ «مونرو»، بهدف ترسيخ هيمنتها في نصف الكرة الغربي، ومنع القوى المنافسة من خارج هذا النطاق من نشر قوات أو قدرات تهديدية، أو امتلاك أو السيطرة على أصول ذات أهمية استراتيجية حيوية.
وفي هذا الإطار، ستسعى إلى توثيق التعاون مع حلفائها التقليديين في المنطقة لضبط الهجرة غير النظامية، ومكافحة تهريب المخدرات، وتعزيز الاستقرار والأمن، إلى جانب بناء شراكات جديدة. وفي المقابل، تتراجع الحاجة إلى توسيع حلف «الناتو»، مع التأكيد على ضرورة تحمّل الدول الأوروبية نصيباً أكبر من أعباء الإنفاق العسكري، عبر رفع إنفاقها الدفاعي من 2% إلى 5%.. وأعادت الوثيقة الاعتبار لأميركا اللاتينية باعتبارها المنطقة التي تعتبرها واشنطن «الحديقة الخلفية»، التي تسعى الصين وروسيا للتنافس عليها، فيما لم تَعُد الصين «التهديد الأيديولوجي»، بل المنافس الاقتصادي الأول، وستركز واشنطن على حرمان الصين من التكنولوجيا الدقيقة والهيمنة على سلاسل التوريد، وستدعم الولايات المتحدة التطور التكنولوجي، ولاسيّما في مجالات الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمية، وستمنح الأولوية لإعادة توازن علاقاتها التجارية، وتقليص عجزها التجاري، ومكافحة الحواجز الجمركية التي تواجه صادراتها، مع استعادة الهيمنة الأميركية على الطاقة العالمية.
وستنظر الولايات المتحدة إلى أفريقيا بعين الشراكات الموثوق بها، والقائمة على فتح الأسواق للسلع والخدمات الأميركية، خصوصاً قطاع الطاقة وتطوير المعادن الحيوية.
إن الاستراتيجية تُعيد موازنة العلاقات التجارية العالمية، باعتماد سياسات تجارية تسهم في إعادة توازن الاقتصاد، وعلى المستوى الجيوسياسي في استراتيجية الأمن القومي، هناك تحوّل واضح في توزيع الموارد العسكرية، والعمل في إطار الأمن والمصلحة القومية، ومن الضروري ألا تغامر الولايات المتحدة في نزاعات دون جدوى، ودعم إحلال السلام بالقوة، في عالم أكثر انغلاقاً في الحدود، وأكثر تركيزاً على محاربة الإرهاب والمخدرات، والتقدّم الاقتصادي والتكنولوجي، وهي سياقات طالما برزت في نهج ترامب، لكن الوثيقة رسمت لنا تفاصيل ربّما تحتاج إلى قراءة متمعنة للتعامل مع شكل التغيرات الجديدة في السياسات الدولية، والنظرة الأميركية الجديدة للعالم.
*باحث - رئيس قطاع تريندز جلوبال- مركز تريندز للبحوث والاستشارات.
إقرأ المزيد


