فائض صيني وعجز أميركي
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

على الرغم من مساعي التحضير لعقد قمة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والصيني شي جين بينغ، للبحث في إيجاد تسوية تجارية، تشهد العلاقات بين البلدين تصعيداً غير مسبوق في المواجهة الاقتصادية، مع تبادل القيود والعقوبات والرسوم الجمركية، في سباق محموم للهيمنة على التكنولوجيا والموارد الاستراتيجية.

وبينما كان الرئيس ترامب يسعى إلى «صفقة كبرى» مع نظيره الصيني، تكشف التطورات الأخيرة أن الصين باتت الرابح الأكبر في حرب التجارة التي بدأتها واشنطن.
 وفي أواخر سبتمبر الماضي أعلنت وزارة التجارة الأميركية تشديد القيود على تصدير أشباه الموصلات ومعدات تصنيع الرقائق إلى الشركات الصينية المدرجة على القائمة السوداء، في محاولة لعرقلة التقدم التكنولوجي الصيني. وردت الصين بسرعة، بفرض تراخيص تصدير جديدة على المعادن النادرة التي تهيمن على إنتاجها عالمياً، وهو ما اعتبرته واشنطن سلاحاً اقتصادياً خطراً، من شأنه أن يهدد الصناعات الاستراتيجية الغربية.
وإذا كان الرئيس ترامب يرى أن نتائج سياسته لم تَظهر بعد، وهي تتطلب المزيدَ من الوقت في العلاقات الدولية، فإن الأرقام التجارية تشير إلى انتصار الصين الذي برز في تسجيل فائض قياسي في ميزانها التجاري بزيادة 21.7 في المئة خلال 11 شهراً الأولى من السنة الحالية، وبلغ حتى نوفمبر الماضي 1.08 تريليون دولار، رغم تأثير التعريفات الجمركية الأميركية، والتي أدت إلى انخفاض صادرات الصين إلى الولايات المتحدة بنحو الخمس. لكن الصين بدورها قلصت مشترياتها من السلع الأميركية بالنسبة نفسها، مما زاد الفائض التجاري مع واشنطن بثلاثة أضعاف مقارنةً بما تشتريه.

ولوحظ أن شهر نوفمبر وحده سجّل فائضاً تجارياً بلغ 111.68 مليار دولار، وهو ثالث أكبر فائض شهري على الإطلاق.
وفي المقابل استمر العجز في الميزان التجاري للولايات المتحدة. غير أن واشنطن ترى أنها سجلت تحسناً في خفض هذا العجز، ولو طفيفاً، إلى 36.1 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، مقابل 37.1 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي. مع الإشارة إلى أن هذا العجز اتسع بوتيرة حادة خلال أول شهرين من العام، وأظهرت بيانات رسمية ارتفاعه بنسبة 86 في المئة أو ما يعادل 117.1 مليار دولار، مع ارتفاع الواردات بنسبة 21.4 في المئة إلى 141.2 مليار دولار. واستمر ارتفاع الواردات في الأشهر التالية، إذ استغل المستوردون الفترةَ التي سبقت تطبيق الرسوم الجمركية.
وفي هذا السياق يقول الرئيس ترامب إنه «ليس متأكداً من ظهور أثر سياساته الاقتصادية قبل الانتخابات النصفية» وتعهّد بأن «تعود بالنفع على الأميركيين العام المقبل». وهو في الوقت نفسه يكرر عبارتين أساسيتين حول سياسته الاقتصادية، الأولى أن الرسوم والتعريفات الجمركية تدر مئات مليارات الدولارات كإيرادات جديدة، والثانية أن الشركات الكبرى خصصت تريليونات الدولارات لاستثمارات جديدة في الولايات المتحدة.

ويضيف موجِّهاً كلامَه للأميركيين الذين يحتجون على غلاء المعيشة: «دعوني أحدثكم عن الاقتصاد الحقيقي، لدينا 18 تريليون دولار تدخل إلى بلادنا، بينما لم يتجاوز دخل الرئيس السابق بايدن تريليون دولار خلال أربعة أعوام». والواقع أن إدارة ترامب حققت نحو 200 مليار دولار من عائدات الرسوم الجديدة، وهو مبلغ جيد، لكنه ضمن اقتصاد حجمه 30 تريليون دولار لا يمثل أهمية كبيرة، و«لا يكفي لسداد الدَّين العام الذي وصل إلى 38.45 تريليون دولار».


*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية



إقرأ المزيد