أميركا والعالَم.. ورؤية ترامب
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

 «استراتيجية الأمن القومي» الأميركية تجمع  في نص واحد، تصورَ ترامب للعالم والذي سبق أن عبّر عنه في العديد من المناسبات. فترامب يريد تغيير النظام الدولي القائم، ويرى أن العدو الأول للولايات المتحدة ليس روسيا ولا الصين، وهكذا، نقرأ في الوثيقة منذ البداية أن الأمة الأميركية والعالم كانا على شفا كارثة بعد 4 سنوات من الضعف والتطرف والإخفاقات، وأن الإدارة الجديدة تمكنت لحسن الحظ من استعادة قوة أميركا، وجلبت السلام والاستقرار إلى العالم، واستعادت البلادُ سيادتَها على حدودها.
الوثيقة تشدد على ضرورة أن تظل أميركا أقوى وأغنى دولة، وترى أنه لهذا الغرض يجب وضع استراتيجية للتفاعل مع العالم. غير أن هذا التفاعل لا يُنظر إليه إلا من زاوية الهيمنة والتفوق.
والحقيقة أن ترامب أدرك منذ وقت طويل أن المواطنين الأميركيين ضاقوا ذرعاً بالهيمنة الليبرالية التي قادت الولايات المتحدة إلى حروب متعددة ومكلفة وعديمة الجدوى، وانتهت جميعها بالهزيمة. ووفقاً للوثيقة، فإن الولايات المتحدة اتبعت، من بداية الحرب الباردة وحتى نهايتها، سياسة لا تمت للمصلحة الوطنية بصلة، حيث تم تحديد أهداف مدمرة مثل العولمة أو السوق الحرة، مما أدى إلى إضعاف الطبقة المتوسطة، والقاعدة الصناعية للولايات المتحدة، بالإضافة إلى تحمّل الولايات المتحدة تكلفة الدفاع عن شعوب أخرى.
وتقول الوثيقة إن «سياستنا رُبطت بشبكة من المؤسسات الدولية التي تحرّك بعضَها مشاعرُ معاداة أميركا». إنها سياسة «أميركا أولاً» التي ترى أن بقية العالم عاشت واستفادت على حساب الولايات المتحدة، وأنه يجب وضع حد لذلك: إذ لماذا على الولايات المتحدة أن تكترث لآراء الدول الأخرى في حين يكفي أن تقرر بمفردها، عبر تأكيد قوتها، ودون إثقال نفسها بقواعد القانون الدولي الذي لم يوجد سوى لحماية الضعفاء!
إنهاء الهجرة، وجعل الحلفاء يدفعون حصةً أكبر مقابل حمايتهم، موضوعان يتكرران ضمن هذه الرؤية. وفيما يتعلق بأميركا اللاتينية، تعلن «استراتيجية الأمن القومي» عن رغبتها في وضع ما يمكن تسميته بملحق ترامب من «مبدأ مونرو» الذي يهدف إلى منع المنافسين الأجانب من السيطرة على المصالح الحيوية للولايات المتحدة في المنطقة. ومن الواضح أن المستهدف الأول بذلك هو الصين.

 والطريقة التي تم بها الحديثُ عن أوروبا في هذه الوثيقة هي الأكثر استرعاءً للانتباه، إذ يتم تصوير أوروبا على أنها قارة في حالة تدهور، ولم تعد ثابتة على قيمها، قارة إنفاقها العسكري غير كافٍ، وأنظمتها تقوّض الإبداعَ والصناعة. كما تشير الوثيقة إلى حالة من فقدان الهوية الوطنية بسبب الهجرة الجماعية والرقابة على حرية التعبير (في إشارة إلى التشريعات التي تحظر الخطابَ العنصري). وتضيف الوثيقة أن ملامح القارة الأوروبية ستتغير كلياً لدرجة أنه قد يصعب التعرف عليها بعد 20 عاماً من الآن. كما تشدد الوثيقة على ضرورة أن تظل القارة الأوروبية مفتوحةً في وجه المنتجات والخدمات الأميركية.
أما فيما يتعلق بالشرق الأوسط، فترى الاستراتيجية الأميركية أن هذه المنطقة لم تعد مسرحاً للتنافس بين القوى العظمى، ولا المصدر الرئيسي للطاقة بالنسبة للولايات المتحدة، وأن إيران أُضعفت جراء الضربات التي تعرّضت لها، وأن الأولوية تظل هي توسيع الاتفاقات الإبراهيمية، وإنهاء الرغبة في التأثير على شكل أنظمة حكم شركاء الولايات المتحدة في المنطقة.
 والواقع أنه لطالما أصدر ترامب تصريحات مهينة أو تهديدية بحق الدول الأوروبية. وفي المقابل، يتظاهر قادة هذه الدول بعدم سماع أي شيء أو رؤية أي شيء، ويتصرفون كما لو كان الأمر مجرد لحظة سيئة يجب تجاوزها، وأنه يتعين انتظار مرور العاصفة. لكن هل بوسع الأوروبيين الاستمرار في تجاهل الأمر بهذه الطريقة طويلاً؟ وكيف للقادة الأوروبيين أن يعتقدوا أن تقديم المزيد من التنازلات سيُكسبهم رضا الرئيس الأميركي؟  


*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية - باريس 



إقرأ المزيد