بحرين نبض الذاكرة
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

حين احتفلت البحرين بيومها الوطني في هذا العام، ضجت القلوب بالفرح والابتهاج، ودقت طبول الأعراس والأهازيج والأغاني والرقصات الشعبية احتفالاً بماضيها العريق وحاضرها المزدهر بالخير والسلام. ففي كل صباح وكل مساء ينهض فيها كل جميل وجديد. فشمس النهار كل يوم تنهض مشرقة عاشقة. وكل إبداع على أرضها يحتفى به دون تفريق بين غاية وغاية، ودون تمييز بين مبدع ومبدع. وكل همسة تغني احتفاء بمجدها. وكل قلب ينبض بحبها. وكل عرس يقام على أرضها يفيض بالأمل. وكل طفل يولد على أرضها يظل برغم سني العمر كطفل وليد. كأنه بذرة الشجرة التي تنهض حين الهطول وتورق بفتنة الأخضر ونضوج الثمر. «فهيا زعرد ياقلبي بالفرح». فأنا أعرف تلك البلاد كما يعرف القلب نبضه. وأعرف أني مشيتُ عليها صغيرة ونقشت من وهجها خرائط حلم الطفولة والصبا، وارتقيت بها إلى حلم الشاعرية، وكتبت باسمها طلسم الأمنيات، ونضدت من حبات رملها سِواراً وعقداً لعرس الشباب، ولونته باللؤلؤ وزمرد البحر وعناقيد النخيل وضوء الشروق، وإذا مَحِلَ اللونُ في اشتدادِ الهجيرِ لونتهُ بالأمل، وأعرفُ ذاك الهواءَ كما تعرفُ الرئتانِ شذى الحقلِ قبلَ انهمارِ الربيع، وأعرف كيف يكون النسيمُ رخياً على أرضها والهطولُ شفيفا سخياً كرذاذ الندى، وأذكر ذاك الزقاقَ وتلك الدروب، التي كانت دربي اليومي إلى المدرسة. وهناك بين ظلٍ وزاويتينِ انتقيتُ لي ملعباً لفوضى الطفولة، وكنت من نوافذ بيتنا الصغير أطل، وأتوق للصعود إلى مروجِ البنفسجِ إذا فاضَ ماءُ السماءِ تموجُ بفتنتهِا الوارفة. هناك كان ماءُ بئر «الحنينة العذبِ الذي يستقي منه سكان مدينة الرفاع الشرقي» تسري إلي من النبعِ حتى خلايا الوريدْ. هناك كان كل ما أصبو إليه وأتمنى. فتذكري يا بحرين أنني من فتنتك نقشت أول القصيدِ ومن سحرك حين مسَّ يدي أصابني بارقٌ، فصرتُ نصفين: نصفٌ من الحزن أرقني، ونصفٌ من العشق أجّجني، وبين المحيطين تهتُ في لجّتي، وسرتْ رهبةُ الشعرِ كالجمرِ في لغتي، وخطَّتْ كما قدرٍ مبصرٍ مسارَ غدي. فمن أرضك كان منبعي وفي أرضك شكَّلتني المقاديرُ كبذرة من سديمٍ ومال فوق روحيَ ومضٌ، وروّى جذوريَ فيضُ الإلهْ، ومسني جوهر غامض وألقى بجمرة الشعر في خيالي، وحين رآني اختبلتُ سرَّ لي أن أرودَ خُطاه!



إقرأ المزيد