جريدة الإتحاد - 7/8/2025 12:22:11 AM - GMT (+4 )

كلما توحدت مع ذاتي في زاوية المقهى الذي أفضل، وفي لحظات التأمل والتداعي واستدعاء أزمنة المقهى القديمة، يأتي الأحباب والأصدقاء القدامى من رحلتهم الأبدية الخالدة، أصحاب لم يَجُد الزمان بمثلهم. كانت أزمنة رائعة ومبهجة تلك التي جمعتني بهم، كانوا يشعلون سراج دروب الثقافة والمعرفة، ومعاني الأخوة والصداقة الحقيقية. رحلوا وتركوا حسرة وألماً لي ولكل من عرف تلك الشخصيات الجميلة. لا أدري لماذا يأتون الآن في حضرة هذه القهوة الصباحية؟ إنها الذاكرة وصفاء اليوم هذا وجمال وقته، هكذا ودائماً يأتي المحب والعزيز، عندما يتذكر الفرد ما هو جميل في دروبه التي مضت وخصوصية اللقاءات ثم تأثير المكان.
نعم المقهى، كم هو مبهج ورائع وجميل مع من تحب، القهوة مثير بديع، تستدعي الذاكرة وتجلي رواسب النفس. كم حمل هذا المكان من أحاديث وأمنيات وقصائد وأحلام، في زوايا هذا الركن وهذه الصومعة الجميلة عبرت أفكار وبرقت ابتسامات، وجاءت الرؤى والرؤية، ومضت حوارات ونقاشات فكرية وثقافية وفنية. نعتنق الأفكار الجميلة والنظرة الثاقبة، نصعد سلالم الحلم، عندما تقدمها العقول الواعية والناضجة. أحلام كثيرة عبرت الأماكن الصغيرة أو ولدت هنا ثم صعدت مثل نجم في السماء البعيدة. لم أزل في تداعيات المكان/ المقهى، هذه النافذة الصغيرة والجميلة، يأتي من الغياب والرحيل الصديق العزيز ناصر جبران، بحضوره البهي وصورته المشرقة، التي تنير هذا المقهى، ويحضر أيضاً الصديق العزيز عزت عمر، الذي رحل هو الآخر وهو يحلم أن نلتقي يوماً في مقاهي مدينته (حلب) العزيزة، كانت أحلامه كبيرة في أن يعود إلى مدينته وسوريا العظيمة في أمن وأمان وعز وسلام، هكذا كان يحلم ويردد، ولكنه رحل كما رحل قبله الصديق الحبيب والجميل ناصر جبران. هجرت ذلك المقهى بعد رحيل أعز صديقين، استبدلت مقهى الذكريات الجميل بآخر، أصبح ذلك المقهى بعيداً في الشارقة، ولا يمكن أن أشعر بالسعادة والراحة والفرح فيه الآن كما كنت من قبل. الآن من يزين تلك الزاوية الخاصة التي كان يحتلها دائماً الصديقان العزيزان (أبو جبران وأبو العز)؟ الآن لي مقهى خاص في دبي، ومع ذلك يداهمني حضورهما دائماً. صعب أن يغيب هذا الحضور في الذاكرة، يأتي بين فترة وأخرى، يطرق نوافذ وأبواب القلب، ولا تجد شيئاً تقوله غير استعادة الذكرى الجميلة والدعاء. تمضي الحياة، تتحقق بعض الآمال والأحلام، ويظل الكثير معلقاً على أمل قد تصنعه الأجيال القادمة.
إقرأ المزيد