رسائل وعظية قصيرة.. روحية واجتماعية
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

أحسنت الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف والزكاة صنعاً، حين أطلقت مبادرة «الرسائل الوعظية القصيرة الإبداعية»، التي يُلقيها أئمة المساجد باستخدام هواتفهم الذكية أو أجهزة صغيرة أخرى، مباشرةً بعد أداء الصلاة. وتُعد هذه المبادرة نقلة نوعية في إيصال الرسائل التوعوية للمصلين، حيث لا تتجاوز مدة كل رسالة خمس دقائق، ما يجعلها سهلة الاستماع والفهم، والمصلون يستمعون لها قبل خروجهم من المسجد.

هذه الرسائل تحظى بقبول واسع من المصلين، نظراً لقصر مدتها، وما تحمله من مفاهيم دينية واجتماعية متنوعة، ترتبط ارتباطاً مباشراً بشؤون حياتهم اليومية. تعمل الهيئة العامة للشؤون الإسلامية بثقة وأناة، مستمدة من معين ديننا الحنيف، وكان من ثمار ذلك، ما تتمتع به الدولة من روح التسامح وقيم العدالة والأخلاق السامية، والتي مكّنتها من احتضان أكثر من مئتي جنسية، يعيشون ويتعايشون بسلام وانسجام. أولت الهيئة اهتماماً كبيراً لاختيار أئمة متعلمين ومؤهلين، مع التركيز على جيل من الشباب الإماراتي، بما يضمن مواكبةَ احتياجات المجتمع. كما أطلقت عبر إذاعة القرآن الكريم برنامج «حناجر مواطنة»، الذي يقدّم قرّاءً مواطنين للقرآن الكريم، وقد أظهر هؤلاء القرّاءُ جودةً في التلاوة وأصواتاً جميلة لاقت إعجابَ المستمعين.ما دفعني للإشادة بهذه الرسائل الوعظية القصيرة هو تفاعل المصلين الإيجابي معها، لما تتضمنه من تنوّع الموضوعات، التي تمسّ اهتمامات الناس اليومية. لقد تناولت الرسائل الوعظية جوانب اجتماعية وأخلاقية مهمة في العلاقات بين الأفراد.

وهذا النمط من الوعظ القصير، الموزّع بشكل مدروس، يغني عن تقديم كمّ كبير من الوعظ الديني المطول، حيث يُقدَّم المحتوى عبر جرعات إيمانية خفيفة، تسهم في ترسيخ القيم ونشر الأحكام الشرعية والسلوك القويم. وفي الوقت ذاته، تُكمل خطب الجمعة ما قد ينقص هذه الرسائل القصيرة. وقد شملت الرسائل موضوعاتٍ إيمانيةً واجتماعيةً، تضمنت جوانب مهمة كالحفاظ على البيئة المستدامة، ومن ذلك التوعية بترشيد المياه في أماكن الوضوء، كونه من السنن النبوية التي تكتسب أهميةً مضاعفةً في ظل التحديات البيئية الراهنة.

ومن اللافت أن بعض هذه الرسائل يثير فضول المصلين، ويدفعهم للبحث عن تفاصيلها في الإنترنت، وهو ما يعكس نجاحَها في تحفيز التفكير والتفاعل. الوعظ القصير بعد الصلاة يُعد وسيلةً فعّالةً لنقل الرسائل الدينية والاجتماعية إلى المصلين، خاصة أن توقيته المناسب يجعل المصلين ينصتون لها دون تأخير أو انشغال.

ولا يقتصر هذا النوع من الوعظ في مساجد الإمارات على الجانب الديني فقط، بل يمتد ليشمل دعوةً إلى التعايش المشترك بين مختلف الجنسيات والثقافات، في بلد يُعد نموذجاً فريداً في التنوع. وتعدد الثقافات في دولة الإمارات يجعل من المساجد منصة مثالية لنشر رسائل التسامح والسلام والاحترام المتبادل، ويؤكد على القيم الإسلامية السامية التي تحث على التواصل الإيجابي، وعلى احترام خصوصيات الآخرين الثقافية والاجتماعية. وتلعب هذه الرسائلُ دوراً محورياً في تعميق الوعي وتعزيز الأخلاق الفاضلة. وفي المحصلة، يمكن القول إن الوعظ القصير في مساجد الإمارات يمثل أسلوباً فعّالًا في نشر المبادئ الإسلامية، بطريقة مبسطة، تتناسب مع طبيعة المجتمع الإماراتي متعدد الثقافات.

وإن وُجد بعض النقص في هذه الرسائل، فإن خطب الجمعة قادرة على جبر النقص واستكماله، بما يعزز المنظومةَ التربوية الوعظية المتكاملة. ولا شك في أن الهيئة العامة للشؤون الإسلامية، التي أبدعت هذه «البدعة الحسنة»، حريصة على تطوير رسائلها الوعظية باستمرار، بما يواكب متغيرات المجتمع، ويلبّي احتياجاته المتنوعة، في إطار من الالتزام الديني والوعي الحضاري.

*سفير سابق



إقرأ المزيد