الإمارات وجهود مكافحة التلوث البلاستيكي
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

تنعقد في جنيف، خلال الفترة من 5 إلى 14 أغسطس 2025، الجولة الإضافية من الاجتماع الخامس للجنة الحكومية الدولية التابعة للأمم المتحدة للتفاوض بشأن وضع أول معاهدة دولية ملزمة قانوناً للحد من التلوث بالبلاستيك، بمشاركة ممثلين عن أكثر من 170 دولة، ومنظمات أممية، وممثلي المجتمع المدني. ويُتوقع أن تُشكل هذه المعاهدة، حال اعتمادها، إطاراً عالمياً شاملاً للتصدي للتلوث البلاستيكي عبر مراحل الإنتاج، والاستهلاك، وإدارة النفايات. وتشارك دولة الإمارات العربية المتحدة بوفد رسمي في هذه الفعالية الدولية، على النحو الذي يعكس التزامها بالاستدامة، وسعيها إلى أن تكون شريكاً فاعلاً في صياغة القواعد الدولية للحد من البلاستيك.
وتأتي المفاوضات في ظل حقائق مقلقة، إذ تشير تقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن إنتاج البلاستيك تضاعف أكثر من أربع مرات منذ سبعينيات القرن الماضي، وأن نحو 11 مليون طن من البلاستيك تنتهي في المحيطات سنوياً. وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، فقد يتضاعف هذا الرقم بحلول عام 2040، مما يُنذر بتداعيات سلبية ممتدة، من بينها تهديد النظم البيئية، والأمن الغذائي، وصحة الإنسان.
وتعد دولة الإمارات من الدول الرائدة في مجال إدارة النفايات وحماية البيئة من التلوث بالبلاستيك، من خلال تبني سياسات صارمة لتقليل الاعتماد عليه، فقد أعلنت وزارة التغير المناخي والبيئة عن حظر شامل لاستيراد وإنتاج وتداول المنتجات البلاستيكية أحادية الاستخدام اعتباراً من 1 يناير 2026، بعد أن بدأت تدريجياً منذ عام 2024 حظرَ أكياس البلاستيك. وهذا الحظر لا يقتصر على الأكياس، بل يشمل أدوات الطعام، وأغطية الأكواب، وقوارير المياه، مع توفير بدائل صديقة للبيئة بأسعار مناسبة.
وفي إمارة أبوظبي، أثبتت هذه السياسة نجاحاً لافتاً، فقد تم خفض استخدام أكياس البلاستيك بنسبة 95% خلال عام واحد من بدء تطبيق الحظر في 1 يونيو 2022، أي ما يعادل توفير أكثر من 272 ألف طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون من الانبعاثات. كما تم تركيب 150 آلة إعادة تعبئة عكسية جمعت أكثر من 130 مليون زجاجة بلاستيكية لإعادة التدوير، ما يعكس فاعلية البنية التحتية الداعمة.
وتعتمد الإمارات نهج الاقتصاد الدائري كإطار شامل لمعالجة التلوث البلاستيكي، حيث تعمل على تحفيز المؤسسات الصناعية على إعادة التدوير، وتصميم منتجات قابلة لإعادة الاستخدام. وتدعم الدولة الابتكارَ في مجالات التعبئة والتغليف المستدام، وتشجع المشاريع الناشئة التي تقدم حلولا بديلةً للبلاستيك، مثل العبوات القابلة للتحلل أو المصنوعة من مواد نباتية.
 ونظراً لكون الإمارات دولة ساحلية ذات بيئة بحرية غنية بالشعاب المرجانية وأشجار القرم، فإن حماية المحيطات من التلوث البلاستيكي تمثل أولوية وطنية. وقد أطلقت الدولةُ برامجَ لمراقبة الشواطئ وتنظيفها، وأخرى لاستعادة موائل القرم التي تسهم في امتصاص الكربون وحماية التنوع البيولوجي البحري. كما تتماشى هذه الجهود مع التزامات دولة الإمارات في اتفاقية بازل المتعلقة بالنفايات الخطرة، التي تشمل أنوعاً من النفايات البلاستيكية.
وعلى المستوى الدولي، تشارك دولة الإمارات في التحالف الدولي الطموح لإنهاء التلوث البلاستيكي بحلول عام 2040، كما تدعو إلى تعزيز الدعم المالي والتقني للدول النامية، لضمان قدرة الجميع على الامتثال.
وتجسّد مشاركة الإمارات في مفاوضات جنيف التزاماً استراتيجياً طويل الأمد، يربط بين السياسات الوطنية الطموحة، والعمل الدبلوماسي الفعّال، والابتكار الصناعي والمجتمعي. فالدولة لا تسعى فقط للامتثال للمعاهدة الدولية المرتقبة، بل تطمح إلى أن تكون نموذجاً عالمياً في كيفية الانتقال من مجتمع يعتمد على البلاستيك أحادي الاستخدام إلى اقتصاد دائري منخفض النفايات. وبينما تتواصل مفاوضات اللجنة الحكومية الدولية حتى 14 أغسطس 2025، يبقى واضحاً أن دولة الإمارات العربية المتحدة تضع نفسَها في الصفوف الأمامية، حاملةً معها تجربةً عمليةً ناجحةً، ورسالةً مفادها أن التخلص من التلوث البلاستيكي ممكن إذا ما توافرت الإرادة السياسية، والشراكة الدولية، والابتكار المحلي.



إقرأ المزيد