عن ماكس فيبر ونظريته الحيّة
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

من المُلهم أن الفيلسوف ماكس فيبر الذي توفي منذ أكثر من مئة عام لا تزال أفكاره تُدرس ونظرياته يتم تحليلها حتى اليوم، وآية ذلك أن البحوث والدراسات التي تكتب عنه حول العالم، تثبت أن نظريّته حول المجتمع والاقتصاد والدين والرأسمالية لا تزال فعّالة حتى الآن.

قبل أيام كتب الأستاذ عبد الله بن بجاد مقالةً مهمة بهذه الجريدة بعنوان: «العالم الإسلامي.. كيف يستفيد من ماكس فيبر؟». وقارب الموضوع من زاويةٍ مختلفة، حيث يعلّق الأستاذ عبد الله على كتاب فيبر «العلم والسياسة بوصفهما حرفة» -الكتاب عبارة عن محاضرتين- يقول إن: «العلم باعتباره معرفةً، وباعتباره تقنيةً وتقدماً واحترافاً، والعمل السياسي باعتباره مشاركةً في إدارة الشأن العام (= الوطن)، وباعتباره حرفةً واختصاصاً (=البيروقراطية والمهام الاستشارية في التقليد الأميركي)، وباعتباره في الحاضر والمستقبل قيادةً زعاميةً شعبيةً ودولتيةً».

تكاد هذه الكلمة الشاملة أن تلخص أفكار فيبر الرئيسية بتكثيفٍ كبيرٍ وشموليةٍ علميةٍ، تنبئ عن مجمل الأفكار الفيبرية وتاريخها ومستقبلها، وسيلحظ القارئ لكتابات فيبر أنه حين كتب «الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية» رأى أن البروتستانتية هي وحدها التي أمكن أن تتسق مع روح الرأسمالية، بينما انتقد أديان الشرق وبخاصة «الكونفوشية والتاوية والهندوكية»، التي لم تكن رشيدةً في علاقتها بالرأسمالية».

يستعيد ابن بجاد فيبر لسبب أساسي أن: «هذه الفكرة لوحدها تبين عن القصور في معرفة الأديان وإمكاناتها وليس مجرد واقعها لدى ماكس فيبر، ففي الإسلام وحده تأكيداتٌ متكررةٌ على قيمة العمل والاحتراف والإتقان في العمل، ولها شروحاتٌ وكتبٌ ترصد نصوصها الشرعية وتطوراتها التاريخية وتفسيراتها وتأويلاتها في قرونٍ متطاولة، وصولاً للواقع المعيش». مداخلتي مع المقالة أن فيبر اهتمّ بموضوع تربية الثروة، ومن ثم درْس مفهوم العمل. لقد أكد فيبر على أن البروتستانتية تعاملت مع الثروة بوصفها الخير من الله وبالتالي أخذت طابعاً نسكياً تطهّرياً، مع عدم الانغماس في مباهجها، أو التفريط في نعمتها فهذه قيمة مشتركة لدى النسّاك والطهرانيين. لو لاحظنا حتى في بيئاتنا الدينية التقليدية ثمة تقارب مع النسكية البروتستانتية من ناحية الحرص على السعي في الأرض والضرب فيها حيث يعتبرون العمل ضمن النسك المأجورة دينياً المحمودة دنيوياً وهذا عزّز من قيم العمل والإنتاج.

ثم إن التصوّر الطهري الذي يستمر فيبر في طرحه عن «النسكية والروح الرأسمالية» لم ينفصل عن الترسيمة الطهرية التي تتناول التأويل البراغماتي، فثمار العمل هي التي تحدد الغاية الربانية من تقسيم العمل، مستعيداً المحتوى البروتستانتي لدى الفيلسوف الإنجليزي ريتشارد باكستر بأن تقسيم العمل يجعل من الممكن تطوير المهارة، وأن التخصص في العمل يؤدي إلى زيادة ونوعية الإنتاج، وبالتالي خدمة المصلحة العامة والثروة المماثلة لثروة العدد الأكبر من الناس. الخلاصة، أن ثمة شبهاً أساسياً بين الأخلاق التقليدية العملية في التقليد الديني العادي وبين النسكية البروتستانتية التي طرحها فيبر.

*كاتب سعودي
     



إقرأ المزيد