«شو سر العداوة»؟
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

نادراً ما يجمع الكل على حب شيء أو كره شيء، مثلما اجتمعت الإنسانية جميعها في كره «الرادار»، وكنت سابقاً أعتقد أننا وحدنا من نشكو منه، ونتذمر من رؤيته، ونضيق بمخالفاته، وإذا الخير عندنا وعند غيرنا، فآخر مرة كنت في فرنسا، وسألت عن علاقاتهم مع الرادارات الذكية، فظهرت تلك التفتفة التي يظهرها الفرنسي عادة في ساعة ضجره! وكنت في جورجيا، وكانت شكواهم واضحة، وخوفهم بادياً، وكنت قبلها علقت ذلك السؤال لدى البرازيليين والأرجنتينيين فلم أجد ذاك الترحاب الذي يبدو على محياهم، وكأن الواحد منهم خرج من تصفيات كأس العالم مبكراً! أما الأتراك فجلهم تمناه رجلاً ليحطموا أضلاعه، وعندنا لو أن الرادار لَبسوه كندورة، وتعقط بشال أو طوى الحمدانية، وحطّ فوقها خزاماً، وتخنجر، وربى زلوف، لا يمكن للمواطنين أن يقولوا له: أقلطّ أو يقرّبوا به!
وقد حاولت مراراً وتكراراً أن أفهم جدلية هذه العلاقة، فما استطعت لذلك سبيلاً، هل لأن الإنسان من طبيعته يحب السرعة، وهذا الجهاز يعطلها؟ أم أن هذا الجهاز في شكله الخارجي عدواني، ويستفز الإنسان في الدخلة والخرجة؟ حتى صار ما بينهما ما صنع الحداد أو مثل الجني والعطبة!
عندنا يبدو أن هذه العلاقة المتوترة لها قصتها، وتاريخها الموغل في الزمان البعيد، حين كانت الدنيا واسعة، والطرقات مركض فرس، ولا إشارات ولا دواوير ولا تقاطعات، رأسمالها شريطي وحيد يقف تحت مظلة خشبية، وتمر السيارات من حوله على مهلها، وهو يؤشر بيديه أو يستعمل صافرته، وأكثر هذه الإشارات كانت ترحيباً وسلاماً على السائقين، فقد كان عددهم محدوداً، وسياراتهم وإلا «جيب بو حايب» وإلا «بسطة» وإلا «جيب وسط»، وكلها أم «كلج وكير ودقمه»، وسرعتها لا تتعدى الثمانين كيلومتراً، وسواقوها لا يحملون رخصة، لكن الواحد يمكن أن يصعّد ذاك «الجيب» رمولاً وطعوساً، ويطيح به في البطحاء دون أن يغرز أو يُنَسّم على «توايره».
وفجأة ظهر عندنا الرادار، وكان في بدايته بحجم الثلاجة، وصيداته والله أنّها، يعني من العشر يلحق على سيارة واحدة ظلت تتعتع، ثم تطور وأصبح يوضع في سيارات خاصة تحمل «نُمَر» مخالفة للوحاتنا، تركن تحت شجرة أو في آخر الرصيف، قال زيادة في التمويه! وهذه الحيلة لم تنطل على المواطنين الكرام، فما إن يرى الواحد منهم سيارات تحمل لوحة صفراء، واقفة بجانب الشارع، إلا وتجده يضرب «بريكات» حتى تشعوط «التواير»، وبعض من الجيل القديم حتى اليوم تجد فيه ذاك التوجس من السيارات المشابهة والواقفة على الرصيف.
المهم تعلم المواطنون، وزاد وعيهم المروري، لكن الرادارات من جانبها تطورت، وأصبحت اليوم طائرة مثل الشواهين تلاحق السائقين، وأصبحت مزروعة في كل مكان، بحيث أصبح الرادار في كل نخلة، ومرات «يغبي» علينا، ونتحسبه «كاروب»، ومرات يكون نائماً على العشب، حتى أنه لا يكتفي بأخذ سرعة السيارة، ولكن يمكن له أن يصور «عليباك»، يعني ما تقدر تنكر، والله كنت ساهياً وإلا المعزبة تكلمني تريد «مقاضي» من السوق، هذاك زمان وولى، واستعدوا الآن إذا ما دخل فيها الذكاء الاصطناعي، وأصبح يتخاطر مع الذكاء الاصطناعي في سياراتك، يعني بيجتمعون عليك باثنينهم، وأنت خَلّك مع أحب البر والمزيون!



إقرأ المزيد