النهاية.. أولاً
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

النهاية عندي آخر أسرار الحكاية، السر الذي يجب أن يبقى حتى النهاية، ولا يُفشى قبل أوانه. لذلك لا أتحمل أن يخبرني أحد بما سيحدث في الصفحات الأخيرة من رواية أقرأها، أو يشي لي عن الدقائق النهائية في فيلم أشاهده. ومن يفعل ذلك بي ينتهك حقي، في متعتي التي تكمن في اكتشاف النهاية بنفسي، أو أن أُفاجأ بها. الدهشة الأخيرة حق يجب أن يمنح فقط.. لمن سار الدرب كاملاً!
ولهذا أستغرب كثيراً من أولئك الذين يطلبون النهاية قبل البدء، أولئك الذين يريدون أن يعيشوا القصة من آخرها. والدتي واحدة منهم، يمكنها أن تشاهد الحلقة الأخيرة أولاً بلا أي شعور بالخسارة! بل ربما يزداد حماسها أن تعود إلى البداية، بعد أن عرفت مصير أبطال العمل! أما أنا، فأشعر بأن معرفة النهاية مسبقاً خيانة للطريق والعمل كله، لذلك لا أبوح بما أعرفه أبداً، حتى لو طُلب مني، وأرى أن كشف النهاية يشبه سرقة لحظة النور التي تستحق أن تُعاش كاملة.
يا تُرى.. من أين يولد هذا الاختلاف بيني وبين أمي؟ لماذا أفقد أنا المتعة إن عرفت النهاية، بينما يزداد حماسها إن عرفتها مسبقاً؟
عندما تشاهد والدتي الحلقة الأخيرة أولاً، هي لا تلغي متعتها، بل تُعيد تعريفها. تتحول متعة المشاهدة لديها من البحث عن «ماذا سيحدث؟» إلى التمعن بهدوء في «كيف حدث؟». معرفة المصير تحرر أمي من القلق والترقب، اللذين يعدان بالنسبة لي وقود الحماس. يكون تركيز أمي متفرغاً على تفاصيل الشخصيات وبناء الأحداث، فالقيمة لديها ليست في دهشة اكتشاف الصورة، بل في شكل القطع الصغيرة، وطريقة تشابكها -أقصد الأحداث والتفاصيل- معاً لتشكل ذلك المصير المكتمل، في الصورة التي عرفتها مسبقاً، كما في لعبة البازل!
وبالنسبة لي، جهلي لما سيحدث يجعلني أعيش كل تفصيلة كحدث محتمل التغيير، وكمفترق طرق حقيقي يحفّز مخيلتي لتوقع مسارات عديدة. كما في لعبة أين الطريق؟ أستمتع بالفضول الذي يجعلني أغامر بمخيلتي فأطرق كل الأبواب المجهولة، هذا وقودي للاستمرار والمتعة.
ما بيني وبين أمي ليس مجرد تباين في الأذواق، بل اختلافنا في طريقة عيش الحياة. نحن لا نتعامل مع النهايات فقط، بل نتعامل مع أنفسنا من خلالها! والأهم من كل ذلك، أنه لا يحق لأحد أن يقرر أي الطريقتين أفضل، فكلتا اللعبتين «البازل» و«أين الطريق»، فيها متعة، ولكن من منظورين مختلفين.



إقرأ المزيد