جريدة الإتحاد - 12/18/2025 11:48:32 PM - GMT (+4 )
من المنطقي الشعور بالقلق بشأن ما إذا كانت التقييمات الباهظة لشركات الذكاء الاصطناعي، تُمثّل فقاعة ستنفجر لتُلحق ضرراً بالغاً بحسابات المتقاعدين.
وقد يكون انفجار الفقاعة مؤلماً بالفعل على المدى القصير. ولكن ماذا لو كنّا نعيش داخل «فقاعة عقلانية» تُحسن الاقتصاد جذرياً، على عكس تقلبات المضاربة الكبرى الأخرى التي شهدها التاريخ؟ وقد استعرت تعبير «الفقاعة العقلانية» من محادثات أجريتها مع صديقي، الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، مايكل سبنس. وتبدو الفقاعات بحكم تعريفها غير عقلانية، فهي تتضخم حين يدفع المستثمرون، الذين يقعون غالباً أسرى لسلوك القطيع المفرط، التقييمات إلى مستويات تتجاوز بكثير أي أساسيات واقعية. ومع ذلك، فإن «حماس» الذكاء الاصطناعي، كما ظهر في نتائج أرباح شركة «إنفيديا» الضخمة، يعكس التحول المحتمل للاقتصاد بأكمله. ومن المنطقي من الناحية الاقتصادية المخاطرة بخسارة كل شيء في عدة رهانات إذا كان عدد قليل منها فقط قادراً على تحقيق عائد مضاعف، وهو ما ستفعله بعض استثمارات الذكاء الاصطناعي بالتأكيد.
ولا يعني ذلك أن فقاعة الذكاء الاصطناعي لن تنفجر، فقد راهن المستثمرون والحكومات على مجموعة من أحصنة السباق، التي لن يفوز منها إلا القليل. وبينما قد يكون مصير البقية الهلاك، مما سيؤدي إلى خسائر، فإن السباق نفسه سيُسفر عن ابتكارات قد تُفضي إلى نتائج أفضل من النتائج بدونه. ولن تنفجر الفقاعة لأن المستثمرين يُبالغون في تقدير الذكاء الاصطناعي، ولكنها ستنفجر بسبب ثلاثة عوامل، أولها العدد الهائل لشركات التكنولوجيا، التي تعمل على نماذج رائدة، في سباق بين الشركات العملاقة. ولن تزدهر جميعها، لاسيما مع الزيادة المستمرة للأموال المطلوبة للنخبة من المهندسين المطلوبين بشدة، ومراكز البيانات المترامية الأطراف، واستهلاك الطاقة. وبينما تستطيع غوغل ومايكروسوفت الاعتماد على مصادر دخلهما المتعددة، سيتعين على اللاعبين الآخرين الاعتماد بشكل أكبر على تمويل الديون أو التمويل الدائري الذي سيثبت في النهاية عدم استدامته.
ثانياً، فإن أي تهافت على الذهب يجذب المنخدعون بالذهب الزائف. وتُلصق الشركات علامة الذكاء الاصطناعي على خدمات أكثر بساطة، مما يجذب المستثمرين الأقل خبرة. ويُذكرنا هذا التضليل بفقاعة الإنترنت في أواخر التسعينيات، عندما كانت إضافة «.com» إلى اسم شركة ناشئة يطلق تقييم مرتفع، لكنه وهمياً.
ثالثًا، قد تُعرقل التطورات الخارجية بعض الشركات مثل التغييرات التنظيمية المفاجئة، والعناصر السيئة، والانقسامات الجيوسياسية في سلسلة توريد الذكاء الاصطناعي، والنقص في تبني الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع. ومن شأن تلك العوامل إعاقة قدرة بعض الشركات التي تبني النماذج على توليد إيرادات كافية. ويُسهم ارتفاع أسعار أسهم الذكاء الاصطناعي في رفع تقييمات العديد من الشركات الأخرى، بعضها إلى مستويات هائلة، إذ إن المستثمرين الذين انجذبوا إلى شركات التكنولوجيا الكبرى يدفعون موجة شراء واسعة في أدوات الاستثمار، مثل صناديق المؤشرات، ولأن المشترين الباحثين عن أماكن جديدة لاستثمار أموالهم غالباً ما يتجهون إلى مجالات لا يبرعون فيها. ويعتبر الذكاء الاصطناعي تقنية متعددة الأغراض، لذلك يرجح أن تُحدث تغييراً جذرياً في مجموعة واسعة من الأنشطة الاقتصادية.
وقد تضاهي إمكاناته التحويلية إمكانات الكهرباء، مما يوفّر مكاسب كبرى من خلال تحسينات مستدامة فيما ننجزه وطريقة ذلك. ولا يقتصر الأمر على تحسين أداء العديد من الأنشطة القائمة وزيادة كفاءتها فحسب، بل إن الذكاء الاصطناعي على وشك فتح الباب أمام اكتشافات جديدة، لا سيما في مجالي الصحة والتعليم. ستسمح هذه المكاسب للاقتصاد بالنمو بشكل أسرع دون التسبب في التضخم، وهو ما يصفه الاقتصاديون بأنه زيادة «الحد الأقصى» للنمو غير التضخمي. ويوفّر زيادة الإنتاجية واتساع الاقتصاد فرصاً أكبر لمعالجة المشاكل الموروثة لأبناء وأحفاد الجيل الحالي، والتي تتمثل في ارتفاع مستويات الديون، وتغير المناخ، والتفاوت المفرّط في الدخل. وأياً كانت وجهة النظر، فإن المكاسب المحتملة لتبني الذكاء الاصطناعي مذهلة للاقتصاد وللقطاعات الاجتماعية وللمستثمرين. وهذا لا ينطبق على غالبية الفقاعات التاريخية الكبرى، مثل هوس زهور التيوليب في أوائل القرن الـ17.
ومع هذه المكاسب الضخمة، ستأتي حوافز هائلة للاستثمار في الذكاء الاصطناعي هائلة، حيث يعتقد المستثمرون أن التخلف عن الركب أسوأ من المبالغة في الاستثمار، كما أنهم يخشون أن تفوتهم الفرصة. ويرون أن ما قد يعتبره البعض إفراطاً هائلاً في الإنفاق، هو في الواقع استثمار مدروس في محفظة استثمارية تُغذي المنافسة والابتكار. إن تفاؤلي بشأن مستقبل اقتصادنا يعتمد على قدرات الذكاء الاصطناعي اليوم، ومع ذلك، فإن السعي نحو الذكاء الاصطناعي العام يضمن عدم ثبات حدود التقدم، بل ستواصل هذه الحدود القفز إلى الأمام، محققة تطورات يصعب استيعابها بالكامل الآن، ومنها تلاقي الذكاء الاصطناعي مع الابتكارات في الروبوتات وعلوم الحياة، وفي النهاية الحوسبة الكمية.
*الرئيس السابق لكلية كوينز بجامعة كامبريدج، والرئيس التنفيذي لشركة «بيمكو» لإدارة الاستثمارات
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
إقرأ المزيد


