جريدة الإتحاد - 12/26/2025 12:19:23 AM - GMT (+4 )
منذ مدة وأنا أحاول البحث عن مفهوم «التجديد» في الشعر وعلاقته بالزمن. وعلى مر التاريخ، ظلت الأجيال المتلاحقة تنادي بالتجديد من دون أن يكون هناك تعديل أو صياغة متغيرة لهذا المصطلح. فما الذي يقصده شاعر اليوم عندما ينادي بالتجديد؟ هل هو مخالفة ومغايرة النمط الكلاسيكي القديم، أم هو تجاوز المدارس الحديثة التي عرفها الأدب في بدايات القرن وأصبحت اليوم كلاسيكية نوعاً ما؟ وخلال البحث وجدت أن الجامعات العريقة في العالم من خلال إعادة إصدار النسخ المحدثة من الموسوعات العلمية، كانت على الدوام تُدخل بعض التعديلات على الكثير من المصطلحات لمواكبة التطور العالمي والمعرفي.
موسوعة جامعة ستانفورد على سبيل المثال، ذهبت لصياغة مفهوم التحديث في الشعر بأنه لا يقتصر على الجديد في الشكل والمضمون فقط، بل تعدّاه إلى النظر في وظيفة القصيدة نفسها بوصفها «حدثاً لغوياً وإدراكياً»، وفي الكثير من دراسات الشعر المعاصرة والمرجعيات الفلسفية في علم الجمال، انتقل البحث والتركيز إلى دراسة «طبيعة التجربة الجمالية» التي تتيحها القصيدة، وكيف تصوغ الانتباه والإحساس والمعرفة. ما يعني أنّ تجديد الشعر يمكن أن يتحقق بتبديل نمط الانتباه الذي تولّده القصيدة، حتى لو لم تغيّر بنيتها الإيقاعية تغييراً صادماً. وهناك من صار ينادي بـ«الحداثة الإدراكية» بدلاً من الحداثة في الشكل التي شاعت في مدارس الشعر الحديث.
في منشورات جامعات أخرى مثل أكسفورد وكمبريدج، نجد أن التركيز اتجه نحو دراسة «الخبرة الشعرية» التي تولدها القصيدة وتبثها في الوعي واللغة. بمعنى أن التجديد يقع في بعدٍ ثالث وهو يتخطى ثنائية الشكل والمضمون. وبذلك يذهب النقد إلى قياس مستويات القيمة الجمالية والمعرفية التي يمكن للقصيدة أن تمنحها، أكثر من تركيزه على بنيتها اللغوية فقط. والأجمل أن أغلب الدراسات الحديثة أصبحت تتجه إلى قراءة النص الشعري باعتباره منظومة متكاملة من الأشكال والمضامين والتجارب، التي تؤسس إلى وعي جديد ومختلف ومعاصر، ينظر إلى الوجود اليوم من زوايا جديدة ويصفه بلغة مختلفة.
ما لفت نظري أيضاً، أن أغلب الأطروحات والدراسات لا تنظر إلى التجديد باعتباره نقيضاً للتراث، ومعظمها يفيد بأن الشعر الحديث إنما يقدم قراءة جديدة للموروث في ضوء حساسية إدراكية وأخلاقية ومعرفية متحوّلة باستمرار. وهذا يعني أن الشعر سيظل في حالة «تجديد مستمر» من دون أن ينقطع عن جذوره الكلاسيكية الأولى.
إقرأ المزيد


