جريدة الإتحاد - 12/26/2025 12:48:25 AM - GMT (+4 )
لا يقتصر التضخم على أسعار المواد الغذائية والضروريات الأخرى. فمع اقتراب نهاية العام، ركّزت العديد من التقارير الإخبارية على ارتفاع درجات الطلاب الجامعيين في السنوات الأخيرة، رغم تزايد الأدلة على أن عدداً متزايداً من الطلاب الجدد يلتحقون بالجامعة وهم غير مستعدين بشكل كافٍ في مواد أساسية كالرياضيات.
ورغم صياغة النقّاد للمشكلة بمصطلحات «الصراع الثقافي» المتوقعة، متهمين الطلابَ بأنهم «حساسون للغاية» ولا يرضون بأقل من علامة «إيه» أو امتياز، إلا أن ذلك يتجاهل حقيقةَ أن المشكلة متجذّرة منذ أكثر من نصف قرن، نتيجة عوامل طويلة الأمد تتجاوز قدرة أي كلية أو جامعة بمفردها على الحل. فمنذ عشرينيات القرن الماضي وحتى خمسينياته، تراوح المعدل التراكمي لطلاب الجامعات والكليات، سواء الحكومية أو الخاصة، بين 2.3 و2.5، أي ما يعادل تقديراً متوسطاً، وكان ذلك العصر الذهبي لدرجة «سي جنتلمان» أو علامة المقبول بالكاد لنجاح «الرجل النبيل» آنذاك.إنّ ذكر كلمة «جنتلمان» لها دلالة بالغة، إذ يُبرز الدور المختلف الذي كان يلعبه التعليم العالي في البلاد. فقبل حِقبة ما بعد الحرب، لم يكن التعليم الجامعي وسيلةً للارتقاء الاجتماعي بقدر ما كان تأكيداً على المكانة الاجتماعية الرفيعة. وكان القبول شبه مضمون، ولم تكن الدرجات ذات أهمية تُذكر. ويكفي أن ننظر إلى سجلِّ فرانكلين ديلانو روزفلت في جامعة هارفارد، فمعظم علاماته كانت «سي». ومن المؤكد أنه لم يكن يخشى على مستقبله.
ومع منتصف القرن الـ 20، انتشرت فكرة أن الجدارة والموهبة أهم من الوضع الاجتماعي، فإذا كان الشخص ذكيّاً، يستحق الالتحاقَ بالجامعة. وتزامن ذلك مع ظهور الاختبارات الموحّدة لاكتشاف الطلاب الموهوبين بالفطرة. ومع توسع التعليم الجامعي ليشمل الطبقات الأقل ثراءً، أصبحت الدّرجات مهمّة للبقاء في المنح أو للحصول على مزايا مثل قانون «جي آي»، المعروف رسمياً باسم قانون إعادة تأهيل المحاربين القدامى، الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية، وكان يشترط أن يكون الطلاب قد حصلوا على الحدّ الأدنى من الدّرجات. وبذلك أصبحت الدّرجات مهمّة، وظهر ما يُعرف بـ «التلاعب بالدرجات» في أوائل العِقد التالي.
وبحلول منتصف ستينيات القرن الماضي، جعلت حرب فيتنام السعيَ وراء درجات أعلى من المتوسط مسألة بالغة الأهمية، حيث تجنّب الملتحقون بالجامعة بين عامي 1964 و1973 التجنيد الإجباري إذا حافظوا على درجات جيدة. وأصبح الأساتذة أكثر تساهلًا، حتى لا تؤدي الدّرجات المنخفضة إلى إرسال طالب إلى فيتنام، رغم عدم وجود أدلة موثّقة على ذلك.
إلا أن جيلاً جديداً من الطلاب الذين التحقوا بالجامعات في أواخر الستينيات والسبعينيات موّلوا تعليمَهم بأموالهم التي اكتسبوها بشِقِّ الأنفس، أو من خلال برامج قروض الطلاب المدعومة من الحكومة الفيدرالية. وبذلك ظهر ما عُرف بـ «الطلاب المستهلكين»، الذين كانوا يشترون خدمة تعليمية، وبالطبع لا يريدون درجات سيئة.
وخلال السبعينيات، ازدادت دوافع الكليات والجامعات للاستجابة بالمثل، لاسيما مع انخفاض أعداد الطلاب المسجّلين مع تخرّج جيل طفرة المواليد. وهدّد هذا التراجع أرباح الجامعات، لذا طوّرت حملات تسويقية متقنة لجذب الطلاب والحفاظ عليهم.
لم يكن نظام التقييم الصارم متوافقاً مع معاملة الطلاب كعملاء مستهلكين. ووجد الأساتذة، الذين ازداد عددهم ممن يفتقرون إلى ضمانات التثبيت الوظيفي، أن التمسك بموقف صارم ضدّ تضخّم الدرجات سيؤدي إلى انخفاض أعداد الطلاب، ومن ثم إلى فقدان وظائفهم.
وبدأت تظهر في الصحافة الشعبية شكاوى مألوفة حول ممارسة تضخم الدرجات. فقبل 50 عاماً، أعرب الكاتب جورج ويل عن حزنه من أن «التعليم العالي يعاني من آفة أشد فتكاً من آفة الأمس المتمثّلة في تضخيم الدرجات». وفي إشارة إلى عناوين الأخبار المنتشرة حول الجامعات المرموقة، ذكر ويل أن متوسط الدرجات في جامعة ستانفورد كان «إيه ناقص»، بينما حصل 41% من خريجي جامعة دارتموث على «إيه». وأضاف أنهم كانوا بعيدين كل البُعد عن الدرجة «سي جنتلمان» أو «مقبول» آنذاك، ولم يتغير الكثير خلال العقود الماضية، رغم القلق المستمر والمتوقع، مشيراً إلى أنه كأستاذ جامعي، كان عليه تقييم هذه الشكاوى: أعطيتها علامة «سي» لأنها تفتقر إلى الأصالة والإنتاجية.
يجب على الجمهور أن يدرك أنها مشكلة وطنية تستحق حلاً وطنياً. لا يمكن لأي مؤسسة بمفردها التصدي لتضخم الدّرجات، لأن ذلك سيؤدي حتماً إلى وضع خريجيها في موقف حرج، مقارنةً بالكليات والجامعات الأكثر تساهلاً. ويعمل التعليم كسوق، فلو عادت جامعة هارفارد، على سبيل المثال، من جانب واحد إلى طريقة تقييمها للطلاب قبل قرن من الزمان، لظهر خريجوها بمستوى أقل من خريجي الجامعات المرموقة الأخرى عند التقدم لكليات الحقوق أو لشغل وظيفة في شركة ماكينزي.
وتعمل الحكومة الفيدرالية بالفعل كمرجع لتبادل المعلومات حول تكلفة الكليات والجامعات، مما يتيح للطلاب وذويهم تقييم تكلفة المدارس المختلفة. ويمكنها أن تفعل ذلك فيما يتعلق بتضخم الدّرجات، من خلال إنشاء مؤشر يُظهر مدى أهمية الدرجة «إي» أو ممتاز الحقيقية. وسيفيد هذا أصحابَ العمل بشكل خاص، لجعلهم يستفيدون من مقارنة المعدلات التراكمية المميزة للطلاب مع أقرانهم.ودون تدخّل وطني، يمكن الافتراض بثقة أنه بعد 50 عاماً، سنظل نقرأ مقالات ممّلة تندّد بارتفاع درجات معظم طلاب الجامعات، وإذا حدث ذلك، فسنكون جميعاً مستحقين لعلامة الرسوب «إف».
*أستاذ التاريخ في جامعة جورجيا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»
إقرأ المزيد


